تواجدوا مع أطفالكم لا حولهم.. تداعيات النقص العاطفي خطيرة

0

تواجدوا مع أطفالكم لا حولهم.. تداعيات النقص العاطفي خطيرة

عدتُ من العمل إلى منزل والدتي، فتجمع أطفالي حولي كالعادة وبدأوا بمناداتي “ماما، ماما”. غبتُ عنهم حوالى 4 ساعات وها هم يتصرفون كأنني كنتُ في رحلة سفر. تجمعوا حولي وجلسوا بانتظار قدوم والدهم كي يصطحبنا إلى المنزل. حينها نظر إليُ ابن أخي الذي يبلغ من العمر حوالى 10 سنوات وقال “نايا تشاغب وتبكي طول اليوم وتبعثر الألعاب في كل مكان، وحين تأتين تصبح هادئة جداً وتتحول إلى شخص آخر”.
لأول مرة أرى الأمور من وجهة نظر مختلفة. نايا هي ابنتي التي تبلغ من العمر سنتينن. يبدو أن تلك الصغيرة المشاغبة التي تثير الفوضى والضوضاء أينما حلت، تفتقدني فتجسد اشتياقها بسلوكيات تدرك تماماً أنها غير مقبولة… فقط لتعبر لمن حولها أنها تحتاج إلى وجودي.

نظرتُ حينها إلى وجهها البريء وعينيها الغارقتين بالحب وهي تجلس بين أحضاني وتنظر إليّ. وبدأتُ أفكر بسر هذا التعلق الكبير. وتذكرتُ اللحظات التي كنتُ أقسو فيها عليها أو أنفعل وأغضب. أنا لستُ أماً مثالية، حتى أنني في معظم الأيام أشعر أنني أفشل في تأدية دوري كأم، وأنني لا أتمكن من تأمين كل الدعم العاطفي والوقت والاهتمام اللازمين لكل أطفالي كما يستحقون. حتى أنني غالباً ما أفقد السيطرة على الأمور وأثير التوتر في أرجاء المنزل.
تذكرتُ كيف كنتُ في صغري أبحث عن أمي طيلة الوقت، وأجدها منشغلة ما بين تنظيف الأطباق والأواني، وطي الملابس وكيها وتحضير الطعام وإحضار احتياجاتنا… نعم كنتُ أجدها دائماً في المنزل، لكنني لم أكن أشعر بوجودها بشكلٍ فعلي. بمعنى آخر، أمي لم تكن موجودة عاطفياً، كانت تحبني حتماً لكنها لم تكن تملك ما يكفي من الوقت كي تخبرني بذلك.

Freepik License

في مرحلة الطفولة، لا يستطيع الطفل أن يدرك أبعاد الأمور. لم أكن أعرف أن اهتمامها بتفاصيل حياتنا المادية اليومية نوعٌ آخر من التعبير عن الحب. باختصار، لم أكن أشعر أنها تحبني حقاً.. كنتُ أراها مجهدة متعبة طيلة الوقت، وكنتُ أشعر أنني أشكل عبئاً عليها. كيف لي أن أعرف أنها تحبني ما لم تخبرني بذلك، ما لم تغمرني وتذكرني بأنني أجمل وأغلى ما في حياتها، ما لم تخصص لي وقتاً كي نتحدث أو نلعب معاً. . حتى أنها كانت تتجنب اللحظات اللطيفة بيننا، لا أذكر أنها يوماً مدحتني أو أخبرتني أنها فخورةً بي.

الطفل يرى الحب في تفاصيل تشبه مخيلته الصغيرة البريئة، فيما تكون الأمور التي يراها الأهل أساسيات بالنسبة إليه غير مهمة.

كبرتُ وعرفت أنها كانت تحبني لكن بطريقة مختلفة، طريقة قد لا يفهمها عقل طفلة صغيرة. لكن حتماً فهمها قلب هذه الطفلة بعد أن أصبحت أماً لثلاثة أطفال. إلا أن المشكلة تكمن في أنني استغرقتُ وقتاً كبيراً من حياتي وأنا أظن أنها لا تحبني. ولا داعي لذكر تداعيات هذا الشعور على ثقتي بنفسي وبالناس وبمهاراتي وإمكانياتي، والأهم من ذلك كله أنني لم أشعر يوماً أنني أستحق الحب بالقدر الذي أستحقه. فكرو ا في الأمر… كيف لفتاة تظن أن أمها لا تحبها أن تحب نفسها؟ وكيف لفتاة لا تدرك قيمة نفسها، أن تدرك أنها تستحق الحب والإحترام والتقدير؟
اليوم أخصص يومياً نصف ساعة نوعية على الأقل، نلعب، نتحدث أو أروي لهم قصة أو نقوم ببعض الأنشطة. فالتواجد مع أطفالنا أهم من التواجد حولهم. والدعم العاطفي أساسي لنمو الطفل بشكل سليم وتكوين شخصية متزنة.

ل مررتم بتجارب مماثلة، برأيكم هل من الممكن تجنب تأثير تداعيات النقص العاطفي على حياة الطفل ومسقبله حين يصبح راشداً؟

سماح خليفة

اترك رد