“لا بأس إن صرختُ كثيراً أو ضربتُ طفلي قليلاً، هكذا رباني أبي وها أنا اليوم بخير”

0

“أحاول قدر المستطاع ألا أكون عنيفة في تربيتي لطفلي. لكنني أحياناً أتوتر بسرعة وأضربه. أنا أعلم أن السبب نفسي. فأنا في هذه الفترة أتذكر كثيراً الماضي. وكلما كبر ابني أكثر كلما تذكرت أكثر كيف كان أبي يضربني في طفولتي بالحزام دون رحمة أو شفقة. في أحد الأيام سألني ابني لِمَ ضربتِني، فأخبرته وأنا أبكي أن والدي كان يضربني حين كنتُ صغيرة. منذ ذاك اليوم لجأت إلى معالجة نفسية، وأخبرتها في إحدى الجلسات كم أود أن أقف بوجه والدي وأصرخ، وأن أقول له ما كنتُ أخاف أن أقوله حين كنتُ صغيرة.”

هذه ليست عباراتي، إنها قصة إحدى الأمهات اللواتي يحاولنَ كسر حلقة العنف التي توارثنها عن أهلهن وتوارثها أهلهن عن أجدادهن. الأمر ليس سهلاً، يحتاج إلى الكثير من الإرادة والقوة، والكثير الكثير من الحب الذي افتقدنه في طفولتهنّ.
فكلّما حاولنَ السيطرة على غضبهنّ، تسللَ صوتٌ من أعماقهن يقول “لا بأس إن صرختُ كثيراً أو ضربتُ طفلي قليلاً، هكذا رباني أبي (ربتني أمي)، وها أنا اليوم بخير”.

كلا لستم بخير

لهؤلاء الأشخاص، لهؤلاء الضحايا المعنفين في طفولتهم، لهؤلاء الأفراد الذين يكافحون لنسيان قصص لا يعرفها سواهم كل يوم. آن الأوان ان تعترفوا، أنتم لستم بخير، رحلة الشفاء تبدأ بخطوة اعتراف.
ألا ترون الألم الذي يسيطر عليكم حين تغضبون وتصرخون؟هذا ليس غضباً، إنه ألم، إنه صوت الأنين فيكم يعلو ويسود؟ ماذا عن فشلكم في كل شيء، في أي شيء، ألا ينبع من انعدام ثقتكم بأنفسكم؟ فكروا ملياً وتذكروا تلك الكلمات التي كانت تقولها أمكم أو توبيخ والدكم حين كان يؤكد أنكم لن تنجحوا في كل شيء. هنا يكمن مصدر الفشل، أنتم لستم فاشلون.. أنتم فقط تفتقرون إلى القليل من الدعم الذي افتقدتموه في صغركم، والكثير الكثير من الحب الذي احتجتم إليه في طفولتكم ولم تجدوه.
والآن ماذا عن ذاك الخوف الذي يمنعكم من اتخاذ أي قرار؟ ماذا عن عدم قدرتكم على اتخاذ خطوة دون استشارة الجميع؟ ماذا عن عدم شعوركم بالأمان؟ كأن كابوساً يلاحقكم أينما حللتم. ابحثوا في ماضيكم، ابحثوا في طفولتكم، هناك ستعثرون على الإجابة.

AdobeStock License
والوحدة.. ماذا عن خوفكم من الوحدة؟

من أن يتخلى عنكم الطرف الآخر فجأةً؟ من شعوركم الدائم بأنكم غير كافين، وبأن كل الناس أفضل منكم.. أليس السبب مقارنتكم بأشخاص آخرين في طفولتكم، والتركيز على نقاط ضعفكم وأخطائكم، بدل التركيز على نقاط قوتكم وإنجازاتكم؟
وبعد أن ترون أنفسكم على حقيقتها عاريةً دون أي قناع، دون أي أدوات تجميل. أخبروني، هل ما زلتم تظنون أنكم بخير؟ وهل هذا ما تتمنونه لطفلكم؟
لن تتمكنوا من السيطرة على تصرفاتكم وانفعالاتكم قبل اكتشاف سببها. ذاك الطفل الضعيف الصغير الذي لا حول له ولا قوة ليس إطلاقاً سبب كل هذا الغضب. سبب هذا الغضب هو أنكم ترون أنفسكم فيه، ترون طفولتكم المؤلمة فيه، فتنتقمون بالطريقة الخطأ من الشخص الخطأ.
إن كان هناك من داعٍ للانتقام، واجهوا. وإن لم يعد هناك إمكانية للمواجهة حاولوا أن تسامحوا. تستحقون أن تكونوا سعداء لما تبقى من حياتكم، ويستحق أطفالكم طفولةً أجمل وأسعد من تلك التي جعلتكم تتألمون وتخفون ألمكم وتدّعون أنكم بخير.

سماح خليفة

اترك رد