رحلة الأمومة كالولادة، ألم رهيبُ ممزوج بكم عظيم من الحب

0

رحلة الأمومة كالولادة، ألم رهيبُ ممزوج بكم عظيم من الحب

غفت ورأسُها على صدري. بنفس الوضعية التي حملتُها بها عندما وُلِدَت. مسكينة صغيرتي، رغم أنني قسوتُ عليها كثيراً اليوم، لم تقبل إلا أن تغفو بين ذراعي. وبينما بدأ يراودني شعورٌ بالذنب وأنا أنظر إلى وجهها الملائكي، تذكّرتُ ذاك اليوم. يوم ولادتها، تذكرتُ ذاك الألم الرهيب الممزوج بكمٍ عظيم من الحب. ربما هي رسالة. ربما أراد الله منذ البداية أن يخبرنا أن رحلة الأمومة رحلة ألمٍ وحب.

وضعتُها في سريرها برفق، وبدأت الذكريات تتسابق ونبضات قلبي تتسارع كأنني أعيش نفس اللحظات.

الولادة

يتخلل هذا الحدث العظيم الكثير من المشاعر التي تسيطر على قلب وفكر الأم. نكاد نشعر أن الفاصل بيننا بين الموت لحظات من شدة الألم، وكل ما يسيطر على تفكيرنا حينها “هل طفلي سيكون بخير؟”. لا نكترث لأوجاعنا التي تكاد تسحقنا بقدر ما ننتظر سماع بكاء ملاكنا الصغير، فهذا البكاء هو الإشارة الأولى إلى أن صغيرنا بخير وأن الأمور تسير على ما يُرام. ما أغرب هذا الرابط! بكاؤه الذي يعبر عن خوفه من الانفصال عن عالمه الصغير في رحم أمه، دليل على أن الولادة نجحت وأنه بخير. نفس المشاعر التي تراودنا عند أي تغيير جذري يحدث في حياتنا، أو عند الانتقال من تجربة إلى أخرى… فهذا التغيير الذي يرعبنا ليس في الحقيقة سوى عبارة عن ولادة تجربة أو مرحلة جديدة في حياتنا وربما ولادة شخصٍ جديد فينا.

لكن دعوني أخبركم أن اللحظة التي يخرج فيها الطفل من رحم الأم ليست انفصالاً، إنها بداية اتصال روحيٌ أبدي. لا شيء في هذا الكون يشبه الرابط الذي يجمع طفلٍ بأمه، حتى بعد وفاتها تستمر بالعيش داخل طفلها، كما عاش في رحمها منذ البداية.

بعد الولادة مباشرة يكون كل تركيز الأم على صوت طفلها، إلى أن يحضره الفريق الطبي ويضعه على صدرها فيتوقف عن البكاء. لا كلمات في الكون قادرة على وصف هذا المشهد أو تلك اللحظات. يزول الألم فجأة، نعم يزول! يختفي كأنه لم يكن، تشعر الأم أن ترياقاً يسير في شرايينها يخدر جسدها كله ويزيل الألم. لا تشعر في تلك اللحظات سوى بصوت أنفاس ملاكها الصغير وملمس جسده الناعم فوق جسدها. في تلك اللحظات تدرك الأم أن طفلها خرج من رحمها، لكنه ما زال متصلاً بها. وأن حبل السرة الذي تم قطعه لم يفصل طفلها عنها، وأن تغير مكان تواجد طفلها لا يعني أنها عملية انفصال. نفس الشعور فعلياً يراودنا حين يبتعد أطفالنا عنا، في أول يومٍ في المدرسة، أول رحلة أسبوعية خارج المنزل، أو أول سفرة خارج البلاد، تبقى الأم متصلة بطفلها روحياً رغماً عنها، كأن قلبها يسير خارج جسدها في مكانٍ بعيد.

وتبدأ رحلة الأمومة، هذه الرحلة لا تختلف كثيراً عن لحظات الولادة. حياة الأم بأسرها تعب وألم وإرهاق، يختفي بغمرة أو قبلة أو ابتسامة طفل.

سماح خليفة

اترك رد