“أمي، أبي لا يحبني، قال إنني غبية!”

0

عاد زوجي إلى المنزل بعد أن أحضر ابنتاي من المدرسة. ما إن فتحتُ الباب حتى سمعتُه يصرخ في طفلتي الصغيرة التي تبلغ من العمر 4 سنوات “أنتِ غبية! لا تفهمين شيئاً! أنتِ عنيدة جداً! لا فائدة منكِ! لماذا تعاندينني هكذا؟!!”.

تفسير الأمور للطفل

أول تصرّفٍ قمتُ به، قبل أن أسأل حتى عن سبب انفعاله، هو أنني حملتُها ودخلنا معاً إلى غرفة أخرى كي أحاول أن أرمم سريعاً بعضاً مما خربه في قلبها الصغير، وأتفادى تصاعد الموقف أكثر.. كنتُ غاضبة جداً منه، وكدتُ أفقد السيطرة على تصرفاتي، لكنني سيطرت.. فثلاثة أطراف غاضبة، ستشكل حتماً أزمة كبيرة!

كانت تبكي بشدة. وضعتُها في حضني وحاولتُ قبل كل شيء أن أستدرجها في الحديث لأعرف ما فهمته من الموقف وأحاول استدراك الأمور. قلتُ لها “اهدأي، ماما هنا” وغمرتها إلى أن هدأت قليلاً. ثم سألتُها “لماذا تبكين؟ هل لأن بابا غاضب؟”. فأجابت وقد عادت الدموع تهطل من عينيها كالأمطار “بابا لا يحبني”.

هذا ما توقعته.. فأكملنا الحديث على الشكل التالي:

  • “كلا، بابا يحبك كثيراً. من أين تأتين بهذه الأفكار؟”.
  • “كان يصرخ، وأمسكني بيدي هنا بقوة كي أصعد إلى السيارة”.
  • “وهل هذا يعني أنه لا يحبكِ؟ بابا كان غاضباً. أميرتي الصغيرة لا تغضب أحياناً؟ وتقوم برمي الألعاب أرضاً؟”.

ابتسمت قليلاً تلك الابتسامة الصغيرة الشريرة وقالت “بلى”. ثم قالت “بابا قال إنني غبية”.
فأجبتُها “هو لا يقصد هذا، أنا متأكدة. أتذكرين حين منعتُكِ عن تناول الشوكولا. فغضبتِ وقلتِ لي “أنا لا أحبكِ ماما”.

  • هل كنتِ تقصدين ذلك؟”.
  • أجابت “أنا أحبكِ كثيراً ماما”.
  • فقلتُ “أعلم ذلك، وأنا أحبكِ أيضاً. لقد كنتِ غاضبة. وحين نغضب نقول أموراً لا نقصدها.
  • ثم بدأتُ الاستفسار عن المشكلة: “لكن ما الذي جعل بابا يغضب؟”. فأجابت “أنا لا أريد أن أصعد إلى السيارة. أريد أن تبقى في المدرسة”.. تحدثنا في الأمر وحين انتهينا خرجتُ لأحدثه بعد أن هدأ قليلاً.
حل المشكلة مع الطرف الآخر.

جلستُ بالقرب منه وسألته “متى سننتهي من هذه المشكلة؟”. فأجاب “إنها عنيدة جداً. لم تَعد تُطاق!”.

حاولتُ أن أسيطر على انفعالي مجدداً. وأجبته بهدوء “أتذكر حين كنا في سهرة في منزل والديكَ منذ فترة؟ وأصريتَ أن تكمل السهرة وتلعب الورق مع أبناء عمكَ. ونامت حماتي وبقيتُ جالسةً لوحدي أحاول تهدئة الأطفال كي لا يوقظوها. وهم يرفضون النوم خارج المنزل. ثم عدنا إلى المنزل في الساعة الثالثة صباحاً؟”. فأجاب “ما دخل هذا بموضوعنا؟”. فأجبتُه “إنه موضوعنا. ما الذي جعلكَ تبقى حينها؟ أليس عنادك؟ الكبار يعاندون أحياناً. إنها طفلة! ألا تلاحظ أنها تشبهكَ كثيراً؟ ثم ما كان سيكون موقفكَ لو صرختُ فيكَ حينها أمام الجميع “أنتَ غبي وعديم الفائدة ولا تفهم شيئاً؟ ما الذي كنتَ ستشعر به. طفلتُكَ تشبهكَ كثيراً. هي نسخةٌ عنكَ. وهي الآن تظن أنكَ لا تحبها.. اعثر على حل لهذه المشكلة الآن!”.

فنظر إليّ سائلاَ باستغراب “هي قالت لكِ إنني لا أحبها؟”. أومأتُ برأسي وصمتُ كي أتركه يفكر قليلاً.

ثم قلتُ له “مشكلتي ليست في أنكَ غضبتَ أو صرخت. مشكلتي في أنكَ استخدمتَ عبارات مؤذية لا صلة لها بالموضوع. بإمكانكَ أن تقول إنكَ غاضبٌ منها لأنها لم تصعد في السيارة. الأمر بهذه البساطة. لا داعي لنعتها بصفات هدامة كهذه. إن كنتَ غاضباً إلى هذا الحد، اجلس في مكانٍ ما لوحدكَ حتى تهدأ، ثم تكلّم. وإن كان هذا الأسلوب الذي ستستخدمه. لا تتكلم وأنتَ غاضب. أبداً!”.

أبي لا يحبني Freepik License
ثقافة الاعتذار:

ثم ردد السؤال نفسه “أحقاً قالت لكِ إنني لا أحبها؟”. أجبته “نعم، وأظن أن عليك أن تعتذر منها”.

فضحك قائلاً “أنا؟ أعتذر منها؟ أجننتِ؟”. فأجبتُ “كلا، إنه عين العقل، ألم تخطئ؟ يجب أن تعتذر.. إن كانت كلمة أنا آسف صعبة إلى هذا الحد. فقط أخبرها أنك لم تقصد قول تلك الكلمات وأنك تحبها كثيراً”.

ثم أصريتُ على لفتِ نظره إلى أنها لا تتصرف بهذه الطريقة إلا معه، وبأن أسلوبه في التصرف معها هو الذي يجعلها تعانده أكثر. تركته ودخلتُ إلى المطبخ لتحضير طاولة الطعام.

حين انتهيتُ دخلتُ كي أنادي على الأولاد، فوجدتُها في حضنه تضحك وتقول له “أنا أحبك أيضاً بابا”.

أحياناً نضطر إلى مواجهة الآخر بالحقيقة حتى لو كانت مزعجة وقاسية بعض الشيء. في كل الأحوال من غير المسموح أن يكون الطفل ضحية أي عنفٍ لفظي أو جسدي، مهما كان السبب.

اترك رد