هل يعاني ابني من فرط الحركة والنشاط الزائد؟ أم يعاني من صدمة نفسية؟

0

دائماً ما نرى أطفالاً يتصرفون بجنون وبنشاط وطاقة مفرطة، وغالبًا ما نفترض أنهم مصابون باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه. ولكن يجب علينا أن ندرك بتعاطف كبير أن عوارض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه مشابهة جداً لعوارض الصدمة النفسية .

تعتبر مشاكل التركيز ونوبات الغضب واضطرابات النوم والانعزال الاجتماعي أمثلة لعوارض تعرّض الأطفال لصدمة أو حدث مهم. تشمل عوارض اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه الصعوبة في التركيز وترتيب المهام والنشاط المفرط والتهوّر واتّباع التعليمات. تبدو هذه العوارض متشابهة، أليس كذلك؟

عندما يتعرّض الطفل لعنف منزلي أو لأهل مدمنين على المخدرات أو لبيئة منزلية غير مسقرة، نحن نتوقع أنه سيعاني. ولكن ماذا لو خضع الطفل لعملية جراحية في عمر مبكر عندما لم يكن مدركاً لما يدور حوله. ماذا لو شعر بالعجز وهو يشاهد عائلته تنهار وألقى باللوم على نفسه عندما تطلّق والديه؟ ماذا لو تعرض الطفل لاعتداء جنسي غير معروف ولم يكن مستعداً (أو غير قادر على التكلم عن الموضوع؟ هل نحن كأهل وأطباء واختصاصيين في مجال الصحة العقلية نتجاهل إمكانية تعرض أطفالنا لصدمة نفسية، ونعاملها على أنها اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه؟

جسم طفلكم
Freepik License
العلاجات

إن علاجات الصدمة واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه صعبة للغاية. إذا لاحظ الطبيب أو المعلم أو أحد الوالدين أن سلوك الطفل يتخلّله النشاط المفرط أو التشتت، فقد يستنتجون أن الطفل مصاب باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه دون إدراك أن المشكلة الحقيقية قد تكون صدمة لم يتم التعامل معها. يمكن أن يؤدي إعطاء طفل تعرض لصدمة نفسية دواء منبهًا إلى إيذاء أجهزته العصبية بشكل كبير. لا جدوى من تعليمه مهارات التأقلم مع قلّة تركيزه إذا كان بحاجة إلى معالجة حادثة (أو أحداثاً) تسببت له بالصدمة.

تعدّ المراجعة الشاملة لتاريخ الطفل الخطوة الأولى للعلاج المناسب. فللتفريق بين الصدمة النفسية واضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه، من المهم اكتشاف الأحداث التي قد مرّ بها الطفل كالعمليات الجراحية، وعمليات الأسنان الصعبة، والتغيرات المفاجئة في السلوك (التي قد تشير إلى الاعتداء الجنسي/الجسدي أو التنمر)، وتغيرات حياتية كبيرة (مثل الانتقال إلى مدرسة جديدة).

عمل الدماغ

يخزّن الدماغ الأحداث الصادمة التي لم تعالج في منتصف الدماغ. عندما يمرّ الطفل بحدث مماثل في وقت لاحق، أو عند تعرضه لضغط مفرط، يمكن أن يمسي سلوكه شبيهاً باضطراب نقص الانتباه وفرط النشاط. تصوّروا أنه كشخص يحمل حقيبة ظهر مليئة بالتجارب. بالنسبة لمعظمنا، تحتوي “حقيبة الظهر” على بعض الأشياء التي كانت تمثل تحديًا لنا، لكننا نتجاوزها لأنها لم تكن بالغة الأهمية. عندما يمر الطفل بتجارب صادمة، تصبح “حقيبة ظهره” “ممتلئة أكثر وأكثر ثقلاً” من حقيبة الأطفال الآخرين، ويعمل عقله ساعات إضافية لإدارة هذا العبء.

قشرة الفص الجبهي

عادةً، عندما يكون كل شيء على ما يرام، نستخدم قشرة الفص الجبهي prefrontal cortex (PFC) الموجودة في مقدمة الدماغ لمساعدتنا على اتخاذ القرارات المهمة. عندما تتواجد الصدمة، أو عندما يتم تحفيزها، غالباً ما تتدفق لدى الطفل مهارات البقاء على قيد الحياة التي وُلد بها وقد لا يتمكن من الوصول إلى قشرة الفص الجبهي (PFC). إن الذكريات في الدماغ الأوسط (حقيبة الظهر التي تحتوي على التجارب المؤلمة/الصادمة) تخرّب قدرة الدماغ على استخدام جزء “التفكير” من الدماغ، أو ال .PFC. وبدلاً من ذلك، تظهر الحاجة إلى “القتال أو الهروب” بسبب ذكرى الصدمة، ويمكن للطفل أن يتصرف وكأنه مشتت، وقلق للغاية، وغافل. لذلك، هو لا يعاني من مشكلة سلوكية، بل هو بحاجة إلى مساعدة.

الطفل العاقل
Freepik License
ماذا عن الحلول؟

إن أحد الحلول لهذه التحديات هي السماح للطفل بأن يحظى بمساحة أمان لمعالجة أي حدث مهم لاستبعاد الصدمة. هناك علاجات متاحة للتخلص من الصدمات منها طريقة EMDR( وهي طريقة علاجية للتخلص من الصدمات)، ومنها أيضاً التجربة الجسدية (somatic experiencing)، واكتشاف الدماغ (Brainspotting).

في كثير من الأحيان مع العلاج بالكلام التقليدي، يتعامل الطفل مع المواضيع باستعمال الجزء المتعلق بالتفكير في الدماغ. قد يكون هذا الأمر صعباً للغاية ويؤدي إلى أن يتوقف الطفل عن الذهاب لجلسات العلاج النفسي. ولكن مع علاج الصدمات الدماغية والجسدية باستخدام الطرق المذكورة أعلاه، يعالج الطفل الموضوع باستعمال الجزء الأوسط من الدماغ ويحرّر الحدث “العالق” الذي يتسبب في ظهور الأعراض الشبيهة باضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه.

كيف يُكتشف السبب؟

باستخدام أساليب اكتشاف الدماغ Brainspotting والصوت المزدوج (bilateral sound) باستعمال سماعة بسيطة، يستطيع المعالج النفسي إرشاد الطفل إلى أن يتذكر حدثاً “متوسط الحجم” لكي يتحرر منه. من المهم للطفل بناء علاقة وطيدة معه حتى يشعر بالأمان الكافي لإعادة النظر إلى الصدمة. يكمن الفرق في هذا النوع من العلاج في أن الطفل لا يتذكر الحادثة فقط، بل يحررها من المكان التي تكون عالقة فيه داخل دماغه. بعد هذا التحرر، يصبح من السهل للطفل أن يتعلم مهارات جديدة يمكنها ان تحسّن من سلوكه.

لقد رأيت تحسّناً لدى أطفالٍ من ناحية تصرفاتهم الناتجة عن القلق، وتركيزهم، وتغيير الطريقة التي ينظرون بها إلى الأحداث الماضية التي طغت عليهم في السابق باستخدام أسلوب معالجة الصدمات الدماغية والجسدية. غالباً ما تكون هذه الطريقة بالعلاج أقصر من الطرق الأخرى لأنها تعالج المشكلة الأساسية غير الواضحة قبل البدء بتدخلات العلاج السلوكي المعرفي. بصفتنا آباء ومعلّمين ومتخصصين في الرعاية الصحية، دعونا ندرك أوجه التشابه بين اضطراب فرط الحركة ونقص الانتباه والصدمات، ونكتشف ما الذي سيساعد أطفالنا حقًا على التحسن … ويسمح لهم بالازدهار.

اترك رد