لا تدعوا أطفالكم الصبيان تحت رحمة الناس وآرائهم .. أطفالكم بحاجة إليكم لا إلى أحكام الناس..

0

أطفالكم بحاجة إليكم:
ابني في الخامسة من عمره. اختار أن يشارك في فريق كرة السلة في المدرسة وكان عليه الحضور للمشاركة مرة واحدة في الاسبوع. لقد احب ابني هذه اللعبة وكرهها في الوقت ذاته.. كانت مشاعر ابني تجاه تلك اللعبة متناقضة فهو يراها لعبة مثيرة من جهة ومحبطة من جهة اخرى وكان يستمتع بها من جهة ويستصعبها من جهة أخرى . كانت مشاعره تجاه هذه اللعبة خليط من كل المشاعر ومضاداتها.

جميع المشاعر بالنسبة لطفل في الخامسة من عمره هي مشاعر ثقيلة والتعامل معها أثقل وأثقل.

في احد الايام حرك احد الصبية المشاركين في اللعبة المشاعر السلبية في قلب ابني .. لقد ضغط هذا الصبي على زر الغضب عنده عدة مرات في ذاك اليوم.

حاول ابني التماسك وبذل جهده ليكون فتى عاقلاً ولكنه على ما يبدو لم يعد قادراً على ضبط مشاعره. سمعته قبل ان أراه .. كان يركض نحوي والدموع تنهار شلالات من عينيه.

لم يكن الوقت مناسباً للاستفسار عما حدث فهذا الوقت هو وقت ابني ..هو الوقت الذي عليّ فيه ان أفتح ذراعي له لبث الأمان والطمأنينة الى قلبه.. هو الوقت الذي عليّ فيه إعطاء مشاعر الاذى التي يشعر بها مساحة للتنفيس عنها..

لففت ذراعي حول ابني بحيث لا يقدر طفلي على سماع اي شيء مما حوله الا همساتي المطمئنة ولكني سمعت صوت رجل يتناهى الينا من ورائي.. انه والد احد الصبية في صف كرة القدم الذي كان صوته يصدح قائلاً:” ما هذا ؟ الصبيان لا يبكون”..

على عكس عادتي لم ازعج نفسي بمجرد الاستدارة ناحيته لأقول له او لأحدق بغضب الى الرجل بحيث يفكر مرتين في المرة القادمة قبل ان ينطق بكلمة. فطفلي بحاجة إليّ ولا شيء يمكن ان يحوّل انتباهي عنه.

للوهلة الأولى وانا أسمع ذاك الرجل فكرت انه يمزح. أيعقل ان يكون الناس على تفكيرهم القديم؟

  • ألا يفهم هذا الرجل حقاً اهمية الذكاء العاطفي؟
  • ألا يعرف هذا الرجل أنه لا يمكن تجنب المشاعر التي تجعلنا نشعر بالراحة احياناً؟
  • ألا يعرف هذا الرجل أن التعبير عن المشاعر يجعلنا أشخاص اسوياء أصحاء .. يجعلنا بشراً؟

لا شك أننا كراشدين علمتنا الحياة ان نساعد صغارنا على تقبل مشاعرهم والتعبير عنها. لا شك أننا بتنا ندرك أن لمشاعرنا هدفاً.

ولكن للأسف ان هناك اشخاصاً ما زالوا يظنون العكس كهذا الرجل.

ابني الصغير
pik

والمؤسف أن هذه الافكار المرتبطة بكبت المشاعر قد تنتقل بشكل خاص الى اطفالنا الصبيان ونحن كأهل لصبيان علينا ان نعلمهم تقبل مشاعرهم مهما كانت ومهما كان نوعها والتعبير عنها..

للأسف أننا نعيش في مجتمع لا يتقبل ان للصبي حقاً في البكاء ليعيش فيما بعد حياة صحية معافاة نفسياً . إن تعليمهم هذا الحق سيجعلهم يكسرون حلقة أفكار الاجيال السابقة غير الصحية.

البشر هم الكائنات الوحيدة القادرة على الشعور بانفعالاتها وهذه القدرة هي التي تجعلهم بشراً.

ما هو الغرض من العواطف؟

الا يفهم هذا الرجل أن العواطف مصممة لتحريك قدراتنا .. فنحن عندما نشعر بالقلق تنبري طاقة الحذر والتنبه فنصبح على اكمل الاستعداد لمواجهة الشيء الذي أقلقنا.

وعندما نشعر بالإحباط نتحرك سعياً إلى إحداث تغيير ..والإنسان بطبيعته يتجنب الإحباط وحتى نتجنب الإحباط نسعى لايجاد الحل. وهنا يحقق هذا الشعور الغرض منه ألا وهو التقدم الى الامام .. الى التغيير.

عندما يشعر أطفالنا بأنهم متصلون بنا وآمنون معنا، يتحركون نحو اللعب والنمو.

أحد قوانين المشاعر هو التعبير عنها وإخراجها.. الانفعالات والمشاعر كشحنة كهربائية نحتاجها لنتقدم ونتحرك.. وعندما نخنق المشاعر ونخبئها وندعي أنها غير موجودة سترتد علينا تأثيرات كبتها على شكل سلبي منها الأمراض.

والمشاعر أيضاً محرك النضج لأطفالنا .. فلا ينضج الإنسان بطريقة سوية إلا إذا ترك لمشاعره وانفعالاته المجال للخروج وإن بقيت لن يتطور أطفالنا بشكل سوي .

كفى ظلماً لأطفالنا.. كفى تقييداً لمشاعرهم وانفعالاتهم وغضبهم.. دعوهم ينضجون.. دعوهم يعيشون حياتهم كما ينبغي أن يعيشوها فنضجهم بطريقة صحية قائم على ترك المساحة لمشاعرهم فكما تكبر أجسادنا وتنضج كذلك هي مشاعرنا فهي مثلنا تكبر وهي مثلنا تصل إلى سن الرشد والنضج ولكن حتى تصل مشاعرنا إلى النضج وسن الرشد يجب أن نترك لها مجالاً لتتطور وتكبر..

الآن في هذه اللحظات تركت ابني بين ذراعي يبكي ويعبر عن حزنه وإحباطه.. وسأجعله طوال فترة نموه يعبر عنها لأني أدرك أن مشاعره بحاجة للنضج مثل جسمه..

لا تدعوا أيها الأهل أحداً يقولب أطفالكم على مفاهيم بالية .. لا تدعوا أحداً يخنق مشاعرهم..دعوهم يكبرون سليمين عاطفياً فسلامة العاطفة لا تقل أهمية عن سلامة الجسد.

آمال الأتات

اترك رد