“أمي أنتِ لا تحبينني” عبارة قد يعبر عنها أطفالنا بسلوكهم فقط

بدأت ابنتي ذات الأربع سنوات بالتصرف بطريقة عدوانية، انفعال وبكاء وعناد دون سبب.. دون أن تخبرني عرفتُ أن هناك أمراً يشغل تفكيرها، كان من الواضح أن هناك مشاعر قوية تختلجها تدفعها إلى التعبير بطرق غير سليمة، كنتُ أرى الغضب والخيبة في عينيها. كنتُ أعلم أن تدخلي في هذه اللحظات لن يجدي نفعاً، هي بحاجة إلى أن تفرغ الغضب الذي في داخلها، كان من المستحيل أن تسمعني في تلك اللحظات, تركتها لبعض الوقت كي تهدأ، كنتُ جالسة بالقرب منها أتأمل تصرفاتها بهدوء، وأفكر بصمت “تُرى ما سر هذا الغضب الذي يجعلها تتصرف بهذه الطريقة؟”.

هدأت قليلاً، اقتربتُ نحوها وانحنيتُ إلى مستوى طولها، أمسكتُ بيديها الصغيرتين اللتين كانت ترمي بهما الألعاب أرضاً منذ قليل، وسألتها بصوتٍ هادئٍ “ما الذي يجعل أميرتي الصغيرة غاضبة بهذا الشكل؟ هل هناك خطبٌ ما؟”. أفلتت يديها وأدارت وجهها وقالت “دعيني وشأني”.

أمسكتُ بوجهها الملائكي الصغير ونظرتُ إلى عينيها مباشرة وكررتُ السؤال “اعتدنا أن نخبر بعضنا كل شيء، لن أخرج من الغرفة قبل أن تخبريني ما بكِ”.

فكان الرد الصادم المعتاد، نعم هو صادم لأنني غالباً ما لا أستطيع التنبؤ بما يدور في عقل طفلتي الصغيرة، وهو معتاد، لأن الخلاصة تكون دائماً على الشكل التالي “أمي أنتِ لا تحبينني”. هذه المرة كانت تلك العبارة مرفقة بعبارة أخرى “لقد قلتِ لي إذهبي”.

سأخبركم بالسيناريو الأصلي:

حان وقت النوم، طلبتُ من أميرتي أن تنام بالقرب مني فيما أختها تنام في الجهة الأخرى. فأجابت بالتالي “كلا، أنا لا أريدك، أريد أن أنام في قلب بابا”. لم أفكر كثيراً في أبعاد ما قالته، فقلتُ لها “حسناً، اذهبي إليه”. في اليوم التالي بدأت تتصرف بطريقة غريبة، عناد، صراخ، رمي الألعاب وحتى دفع أختها الصغرى.

السيناريو الذي كوّنته صغيرتي في مخيّلتها:

حين قالت “لا أريدك”. كانت فعلياً تشعر بالغيرة لأنني أغمر أختها الصغرى. وكانت تقصد في باطنها معنى العبارة “أنا أريدكِ لي وحدي فقط” وتتمنى في قرارة نفسها أن أتمسّك بها وأخبرها بأنني أريدها ان تبقى بالقرب مني.. لم تتذكر أنها هي مَن طلبت أن تذهب، تذكرت أنني قلتُ لها “اذهبي”. فبنظرها بهذه الطريقة قد تخليتُ عنها ولم أتفهم مشاعرها (التي لم تخبرني عنها). وبالطبع ظنت أنني أحب أختها الصغرى أكثر منها وما إلى ذلك من تداعيات…

غمرتُها رغم محاولتها لدفعي بعيداً، إلى ان هدأت وسألتني “لِمَ قلتِ لي اذهبي”. كنتُ أفكر حينها كيف غفت طفلتي وهي حزينة دون أن أعلم، وكيف تعاملت مع هذه الأفكار المحزنة بمفردها. أخبرتُها بما كنتُ أقصده وأخبرتُها أنني كنتُ أتأمل صورها وأحضر لها فيديو كي تراه صباحاً وأنني أفكر فيها طيلة الوقت، شاهدت الفيديو وغمرتني وهي تضحك. كأنها استعادت ثقتها بحبي لها مجدداً.

والأهم من ذلك أنني أخبرتها انني لم أكن أعلم أنها حزينة، وطلبتُ منها أن تعدني بإخباري حين تشعر بالغضب أو الحزن كي نجد حلاً للمشكلة معاً.

لِمَ أروي كل هذه التفاصيل؟

لأننا ببساطة لا يمكننا تخيّل ما قد يدور في عقول أطفالنا حين يتبدّل سلوكهم بشكلٍ مفاجئ. غالباً ما نحاول تعديل سلوكهم بأساليب قاسية كالصراخ أو العقاب عوضاً عن محاولة تفهمهم، فتزداد الأمور سوءاً. لا بد من أن نجد طريقة كي نجعلهم يثقون بنا ونتفهمهم، وإلا سنكون قد فشلنا حتماً في دورنا كأمهات وآباء. التربية لا تتعلق فقط بالتأديب وبناء شخصيات منتظمة منضبطة في المجتمع، إنها تحتوي على ما هو أبعد وأعمق من ذلك بكثير.

سماح خليفة

التعليقات مغلقة.