للمرة الأولى، في شهر أيار 2016، اكتشفت الولايات المتحدة بكتيريا خارقة مخيفة. وجدها الأطباء عند مريضة مصابة بالتهاب بولي بسيط.
لماذا هذه البكتيريا مخيفة ؟ لأنها مقاومة للمضاد الحيوي “Colistin”. وال Colistin ليس مضاداً حيوياً مثل غيره : إنه أحد آخر خطوط الدفاع التي تمنع الكارثة !
في الواقع، وقت اكتشاف هذا المضاد الحيوي، لوحظ أنه سام جداً للدماغ والكلى…ولهذا نحاه الأطباء بسرعة كبيرة جانباً.
بما أنه قليل الاستخدام جداً، لم تتح الفرصة للبكتيريا كي تتكيف معه…وهذا ما جعل منه دواء ثميناً جداً عند استعماله كآخر فرصة.
يستخدمه الأطباء فقط في حالة الحياة أو الموت، عندما تخفق كل المضادات الحيوية الأخرى. ولكن خط الدفاع الأخير هذا في طور السقوط !
لحسن الحظ، هذه البكتيريا الجديدة المقاومة للكوليستين ليست بعد مقاومة للمضادات الحيوية الأخرى. لهذا أمكن معالجة المريضة الأميركية المصابة بالالتهاب البولي بدون أدنى مشكلة.
لكن هذا قد لا يستغرق زمناً طويلاً.
سيناريو الكارثة القادمة : البكتيريا المقاومة لكل شيء
لأن ما يرعب العلماء، أن هذه البكتيريا الصينية لديها القدرة النادرة على “نقل” مقاومتها الخاصة إلى بكتيريا أخرى.
يكفي إذن أن تنقل مقاومتها لل Colistin إلى بكتيريا أخرى مقاومة للمضادات الحيوية الأخرى حتى تتشكل بكتيريا…مقاومة لكل شيء !
والأسوأ أنه يكفي اتصال بسيط بين أنواع البكتيريا حتى تنقل الجين المقاوم للمضادات الحيوية.
كم بقي لنا من الوقت قبل هذه الكارثة ؟
من المستحيل أن نعرف. لكن ما هو مؤكد أن العولمة تسرع الأشياء. مثلاً، كان العلماء البريطانيون يعتقدون أن هذه البكتيريا المقاومة للكوليستين، القادمة من الصين، لن تصل بريطانيا قبل عام 2019.
ولكن ما حدث فعلاً أنها اكتشفت السنة الماضية في اسكتلندة عند مريض عائد من رحلة إلى جنوبي شرق آسية.
أتعرفون كيف وصلنا إلى هنا ؟ أتعرفون بأي طريقة استطاعت البكتيريا أن تطوّر مقاومة على الكوليستين، المضاد الحيوي الذي لم يستخدم تقريباً في الطب ؟
الجواب هو : بسبب التربية المكثفة للمواشي.
لأن هناك كوليستين بيطري، يستخدمه مربو الماشية الصينيين بشكل خاطئ…وهو مسؤول مباشرة عن هذه البكتيريا الخارقة.
التربية المكثفة للمواشي – الخطر الأكبر
في الواقع، تربية المواشي الحديثة هي مصدر الخطر الأكبر للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. حتى أمد قريب، قللنا من قيمة هذه المشكلة، لأننا كنا نركز على المضادات الحيوية الموصوفة من قبل الأطباء.
صحيح أن هناك إفراط وسوء استعمال من هذه الناحية. فالكثير من الناس ما زالوا يعتقدون أن المضادات الحيوية فعالة ضد الفيروسات، بينما هي لا تقتل إلا البكتيريا. والكثير من الأطباء يوافقون على وصفها احتياطاً في حال الشك.
لكن جهوداً حقيقية بُذلت طوال سنين عديدة، والتقدم أصبح ملموساً : أصبح أغلب الناس يعرفون أن تناول المضادات الحيوية ليس شيئاً اوتوماتيكياً فور الشعور بالمرض.
فجأة، أصبح الخطر الأكبر قادماً اليوم من تربية المواشي المكثفة. لأنه تقريباً حوالى نصف المضادات الحيوية التي تنتجها مصانع الأدوية مستخدمة…في مزارع الماشية !
في الولايات المتحدة، مربو الماشية لديهم الحق في استخدام مضادات حيوية كي “تسمن المواشي بسرعة”. النتيجة : نسبة المضادات الحيوية الزراعية هي في حدود %80 !!
والأضرار الناتجة عن هذا لا تعد ولا تحصى.
كيف تلوث المضادات الحيوية الزراعية كل شيء
أولاً، المضادات الحيوية التي تستهلكها الحيوانات تنتقل مباشرة إلى…أطباقنا.
إذا لم تلجأوا إلى استهلاك اللحوم العضوية، أو التي لا تحتوي مضادات حيوية، فأنتم معرضون لابتلاع كميات بسيطة جداً من المضاد الحيوي يومياً.
لكن هذه الكميات الصغيرة المتكررة هي أفضل وسيلة لخلق البكتيريا المقاومة الخارقة !
ما هو أخطر أيضاً : الاستخدام المفرط للمضادات الحيوية على المواشي يشجع تطور البكتيريا المقاومة جداً…التي تنتقل إليكم مباشرة عندما تستهلكونها !
وبالفعل…يتواجد ثلث البكتيريا المقاومة الأكثر خطورة في العالم…في طعامنا.
في فرنسا، اكتشف الباحثون حديثاً معدلات عالية جداً من البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية…في الطيور :
“من أصل 100 عينة، 26 عينة كانت ملوثة بالبكتيريا، ومن بينها %61 حاملة للبكتيريا المقاومة لفصيلة واحدة أو عدة فصائل من المضادات الحيوية. وهناك %23 من أصلها مقاومة حتى لأقوى أنواع المضادات الحيوية”.
ولا تظنوا أنه يكفي أن تكونوا نباتيين لكي تحموا أنفسكم. لأن البكتيريا المقاومة للحيوانات تنتشر أيضاً في التربة وفي المياه…ولهذا يمكن أن نجدها في الفواكه والخضروات !
كل هذا لأن مربو المواشي يجمعون أعداداً لا تصدق من الحيوانات في اجواء لا تطاق من الضغط النفسي والاختلاط…وهذا ما يجعلها أكثر قابلية لالتقاط الأمراض…وتجبر مربي المواشي على إعطائها الكثير من المضادات التي كانت بغنى عنها في ظروف أخرى !
لأنه عندما تعيش الحيوانات في ظروف مقبولة، فليست بحاجة أبداً لمضادات حيوية. يكفي أن تنظروا إلى تربية الخراف، فهي دائماً ما تكون تقريباً في الطبيعة بقوة الأشياء : وكما لو بالصدفة، المضادات الحيوية هنا نادرة جداً !
للأسف، كما قد تكونون لاحظتم، لا نستطيع أن نتخلص من جنون التربية المكثفة بين ليلة وضحاها (مع آنه علينا أن نبذل كل الجهود، كل منا على طريقته، لتشجيع هذه الحركة !) والمشكلة الضخمة الأخرى هي أنكم لن تستطيعوا الاعتماد على البحث الطبي كي ينقذكم.
اقرؤوا الجزء الأول: المشكلة الصحية التي ستؤدي إلى وفاة الملايين سنويا
المصادر
[1] The Antibiotic Bubble — A Quest For Continued Antibiotic Effectiveness. Steve Brozak. May 2013. Forbes
[2] ANTIBIOTIC RESISTANCE THREATS in the United States, 2013 US Department of Health and Human Services
[3] Occurrence of methicillin-resistant Staphylococcus aureus in farm workers and the livestock environment in Mecklenburg-Western Pomerania, Germany. Dahms C, Hübner NO, Cuny C, Kramer A. Acta Vet Scand. 2014 Aug
[4] L’UFC que choisir alerte sur l’antibiorésistance chez les volailles. Sciences et vie. Santé. Mars 2014
[5] Salem EM, Yar T, Bamosa AO, Al-Quorain A, Yasawy MI, Alsulaiman RM, Randhawa MA. Comparative study of Nigella Sativa and triple therapy in eradication of Helicobacter Pylori in patients with non-ulcer dyspepsia. Saudi J Gastroenterol. 2010 Jul-Sep;16(3):207-14. doi: 10.4103/1319-3767.65201.
[6] . Chaieb, B. Kouidhi, H. Jrah, K. Mahdouani, and A. Bakhrouf, “Antibacterial activity of Thymoquinone, an active principle of Nigella sativa and its potency to prevent bacterial biofilm formation,” BMC Complementary and Alternative Medicine, vol. 11, p. 29, 2011