الأم هي الحب الكبير الأول في حياة كل الكائنات البشرية.
إنه حب يولد بطريقة طبيعية ولا يتخلى عنه الولد أبداً، حتى لو لم تعد الأم موجودة أو لو كان وجودها مؤذياً، ولو كان وجودها يشكل خطراً على الولد.
هناك دائماً خيط غير مرئي يربطنا بأمنا بطريقة أو بأخرى.
تروي جوديت فيورست في أحد كتبها حالة مرعبة. طفل رشت عليه أمه الكحول وأضرمت فيه النار، وهو شيء لا يمكن أن يتخيله العقل.
في غرقة العناية الفائقة، لم يكن الصغير يريد إلا شيئاً واحداً : أن تأتي لتضمه بين ذراعيها. هذا الرابط الغريزي قوي بشكل خارق.
مهما حدث، نحن نحب أمنا. في بداية الحياة، نفضل أي معاناة مهما كانت على أن نتحمل معاناة غيابها.
حب الأم يستمر في سن الرشد، حتى ولو أصبح لدينا حياتنا الخاصة، ولو نجحنا نجاحاً منقطع النظير، ولو توفر لدينا المال، ولو امتلكنا شجاعة فائقة.
في أعماقنا، يبقى دائماً شيء من هذا الولد الذي لا يريد أن يحيا بدون أمه. في صغرنا، رغم وجود إثباتات على العكس، نحن نعتقد أن أمنا هي كائن مثالي خارق.
نحتاج فقط إلى أن تكون هنا، إلى جانبنا. إذا لم تكن هنا، نعتقد أن هذا خطأنا.
لكن الأمهات لسن تلك الكائنات الكاملة والمثالية التي كنا نتخيلها صغاراً. نحن لسنا دائماً مرحب بنا في حياتهن.
الأمهات قد يكن أيضاً مكتئبات، لديهن مشاكلهن الخاصة. ومع أن رغبة أغلبهن هي أن يقدّمن لنا الأفضل، فأحياناً لا يستطعن فعل هذا.
أحياناً، يتخلين عن فعل هذا، أو تكون لديهن أفكار مغلوطة عن خير ومصلحة أولادهن. الكثير من الأمهات لسن متوفرات عندما يكون أولادهن بحاجة إليهن. إنهن يردن العمل خارج المنزل ومن الممكن ألا يتوفر لهن الوقت لممارسة أمومتهن على أكمل وجه.
بعض الأمهات لديهن رفض، واعٍ أو غير واعٍ، تجاه الامومة. وحتى في هذه الحالة، هن يتحملن عبء أن يكن أمهات، ولكنهن لا يتوصلن إلى لعب إلا نصف دورهن. وعندها يصبح أولادهن رمزاً لعدم الطاعة بالنسبة لهن.
هؤلاء الأمهات لا يستطعن أن يرين أي شيء جيد في أولادهن. بالنسبة لهؤلاء الأمهات، فإن أولادهن ليسوا مطيعين بالشكل الكافي، وليسوا قادرين على إسعاد أمهاتهن بالشكل الكافي. كما هو الحال عندما يكون الأولاد هم أفضل الطلاب واكثر الرياضيين إنجازاً، ومع هذا ليسوا أبداً على مستوى تطلعات أمهاتهن.
رفض الأم للأولاد يتخذ أحياناً أشكالاً لا تخطر ببال، إنها حالة الأمهات القلقات اللواتي يتخيلن دائماً أن ولدهن سيسقط، أن ولدهن سيصبح مدمناً على المخدرات، أن ولدهن سيرتكب خطأً لا يمكن إصلاحه.
في هذه الأحوال، يأخذ الرفض شكل محاولة تحكم من الخارج. فهن يعتقدن أن تربية أولادهن تعني أن يخبرنهم أن العالم مليء بالمخاطر وأن مهمتهن هي التركيز على الجانب المنذر بالخطر.