علينا أن ننظر إلى نواح وعويل الأولاد من الجانب الآخر. تصرفات البشر هي دائماً تعبير عن حاجاتهم. البكاء قد يكون إذن للتعبير عن عجز الولد عن الحصول على شيء ما، عن حاجته للاستقلالية، وللاعتراف به وبأهميته، عن رغبته في المشاركة، عن قدراته الشخصية.
الكبار هم المسؤولون دائماً عن نوعية التواصل بينهم وبين الولد
عندما يبدأ الولد بالتصرف بطريقة تدميرية للذات (ضعف تقدير للنفس، انطواء، ألم يعاقب به نفسه) أو تدميرية للخارج (عناد، انتقام، ثأر)، فمن المؤكد أن هناك ثلاثة أشياء :
إنه ليس الأول في العائلة الذي يتصرف بطريقة مدمرة لغيره أو لذاته. فدائماً أحد الكبار هو من بدأ.
الكبار في العائلة ليسوا واعين عموماً لسلوكهم المدمر لغيرهم أو لذاتهم،
تصرفه المدمر تطور خلال عدة شهور أو سنوات. حتى لو ربطنا هذا التصرف بشيء جرى حديثاً في حياته، فهو على الأغلب قد كشف عن هذا السلوك.
يجب إذن أن نطبق منهجاً أخلاقياً في العلاقات مع الأولاد، بحيث تكون عيوننا وآذاننا في حالة استنفار بالنسبة للأخطاء التي نرتكبها نحن، ونكون عندها منفتحين على تحمل المسؤولية. وحده هذا المنهج الأخلاقي يجعل الأولاد أحراراً في أن يطوروا أنفسهم من جديد بشكل سليم. المساعدة هي هنا : في الرسائل الخاصة التي يبعثها لنا الأولاد كي يعيدوننا إلى حيث تجمدنا نحن أنفسنا.
الحاجات الأساسية للأولاد
الأطفال يبكون غالباً عندما يتوقعون أن تكون طلباتهم مرفوضة أو مهملة. الطفل “البكّاء” غالباً ما يكون معتاداً على طلب بعض الأشياء التي يريد أن يفعلها وحده ويتلقى رفضاً لهذا الطلب الذي يترجم حاجة أساسية للاستقلالية وللنمو. يأتي الأولاد إلى العالم مع حاجة للنمو : إنهم يريدون أن يجدوا في محيطهم أشياء تجعلهم يكبرون ويستقلون.
الولد بحاجة أيضاً للمشاركة، للمساهمة وللشعور بأنه مفيد للعالم من حوله (عائلته، أصدقاءه، صفه…)، وبأنه جزء من الحياة الاجتماعية. إنه بحاجة ليفعل شيئاً مع غيره ولكنه بحاجة أيضاً لأن يفعل شيئاً وحده. الأولاد بحاجة للشعور بالارتفاع، بأن مساهمتهم الشخصية لها أهمية، وأن وجودهم مرغوب به ونافع.
مساوئ إلصاق صفة “البكّاء” بالولد
من جهة أخرى، عندما نلصق صفات من نوع “بكّاء” بالولد، فنحن نجعل هذا السلوك يتقوى ويتجذر لديه.
حينما نضع صفات لتصرفات الأولاد بدل أن نساعدهم على وعي عواقب تصرفاتهم، فهم يحتفظون بالمشاعر السلبية دون محاولة تطوير حسهم ومسؤوليتهم الشخصية.
الصفات لها قدرة التنبؤ : إنه مبدأ النبؤات التي تحقق ذاتها بذاتها. كلما كررنا للولد أنه كسول، أنه عنيد، أنه كثير البكاء، فهو يعتمدها في النهاية كجزء من شخصيته ويصبح فعلياً وحشاً، كسولاً، بكّاءً.
الصفات هي شكل من التصنيف يضع الولد في فئة محددة. الصفات لها تأثير يجعل الولد محدوداً وخاضعاً للقيود. إنها تجبر الولد على أن ينسب لنفسه ما ليس فيه ويحدد نفسه بما ينقصه، بدل أن يتعرف على ما هو عليه فعلاً.
كيف نفهم ونرافق الاولاد الذين يبكون كثيراً
يمكننا أن نشعر بموجة من التعاطف مع الولد الذي يوصف بأنه “بكّاء” إذا فهمنا الانفعالات والحاجات التي تحركه وتمرده ضد نقص الثقة والاحترام اللذين ننظر بهما نحو حاجته للاستقلالية.
عندما يحدث هذا الوعي عندنا، من الممكن أن نبني علاقة أهل/ ولد مرتكزة على أكثر من الثقة والاحترام نحو حاجة الأولاد للاستقلالية.
هذا يمر ب :
- إعادة تخطيط المحيط العائلي (مثلاً : تعاليق بعلو قامة الولد لكي يستطيع ترتيب والتقاط ثيابه بنفسه؛ تركيب مرآة على مستوى قامة الولد في الحمام؛ ترك معدات التلوين بتصرفه لكي لا يحتاج إلى الطلب من أهله كلما أراد أن يمارس نشاطاته؛…)
- المساهمة في الحياة العائلية لإيصال رسالة للولد أن مساهمته محسوبة وأن مساعدته وحضوره مرغوبين ومقدرين (من خلال تخصيص وقت للتبادل العائلي مثلاً، حيث يمكن ان يعبّر كل فرد في العائلة عن حاجاته بهدف إيجاد حلّ)؛
- نشاطات تتشاركونها معاً بمتعة، يكون الولد قد اختارها؛
- التخلي عن محاولة التحكم في الأفعال اليومية (مثلاً : دعوا الولد يخدم نفسه إذا أراد ان يشرب مع احتمال أن يدلق الماء وتستغلوا الفرصة فتدعوه يلتقط الماء المسكوب بالإسفنجة؛ دعوا الأولاد يختارون وحدهم ثيابهم مع احتمال أن تكون غير متطابقة؛ دعوا الأولاد يرتدون ثيابهم وحدهم صباحاً مع تنظيم وقتكم لكي لا تتأخروا…)؛
- ألعاب تقوي القدرة الشخصية (مثلاً : كاراتيه الجوارب حيث يحاول الأهل والأولاد أن ينزعوا جوارب الآخر مع الاحتفاظ بجواربهم…)؛
- احترام المشاعر الخاصة بالأولاد (الأكل عند الإحساس بالشبع وليس تحت ضغط الأهل؛ النوم عند الإحساس بالنعاس؛ لا الكثير ولا القليل جداً من المحفزات الحسية التي من المحتمل ألا تغذي رغبته في التعلم والنمو في حالة انخفاض التحفيز، أو بالعكس، التي قد توتر جسمه الذي ليس متكيفاً مع التحفيز السمعي أو البصري المفرط، مثلما يحدث في السوبرماركت مثلاً)؛
- التواصل المتعاطف على قاعدة من رسائل ال “أنا” (التعبير عن انفعالات وحاجات الأهل عندما يكون هناك مشكلة)، من الإصغاء الفعال (التعرف على انفعالات الولد وتقبلها عندما يكون هناك مشكلة) ومن حل المشاكل (العثور على حلٍ يرضي الكل).
- الشكر أو الامتنان : لاحظوا عندما يصيغ الولد طلباً ظريفاً (مثلاً : “لطيف منك أن…”، “شكراً لأنك…”، “إنك تجعل حياتي أجمل عندما…”، “لقد شعرت بالفرح عندما…”)
باختصار، لنتفهم الأمر جيداً : وصف الطفل بأنه “بكّاء” أمر لا يساعد إطلاقاً. من المفيد والمناسب أكثر أن نفكر بحاجات الأولاد بدل أن نلصق بهم صفات تقلل من قيمتهم.