في الماضي البعيد كان ينظر للأطفال الذين لا يبلون حسناً في مدارسهم نظرة سيئة وكانوا ينعتون بأبشع الصفات. كان يُعتقد بأنهم بليدون، خاملون وأحياناً كانوا ينعتون بغلاظة الذهن أو بأنهم مصابون بخلل دماغي أو بكل هذه النعوت معاً. أما الجاهلون الآخرون فكانوا يؤمنون بأن اللوم يقع على سوء التربية. ولكن لم تساعد أي من هذه «التشخيصات» الطفل.
كان الأهل يواجهون وحدهم مشكلة أطفالهم، وكانوا يُهمّشون أو يُشفق عليهم لأنهم رزقوا بولد «أحمق». يصعب علينا كأهل ألا نلقي اللوم على أنفسنا أو ألا يُلقي الآخرون اللوم علينا. لطالما كنت أستقبل في عيادة (تينسلي هاوس) أمهات يعانين من الشعور بالذنب بدرجات مختلفة. غالباً ما كنّ يلمن أنفسهن، متسائلات إن كنّ ارتكبن خطأ ما أثناء فترة حملهن. ولكن لم يكن في معظم الحالات بوسع هؤلاء الأمهات القيام بأكثر مما قمن به للاهتمام بالجنين.
لحسن الحظ أن تلك الأيام المظلمة من الجهل بصعوبات التعلم قد ولَّت. إذ شهدنا في الأعوام العشرين أو الثلاثين الأخيرة تحوّلاً نحو تفهم أعمق وتعاطف أكبر مع الأطفال الذين يواجهون صعوبات في القراءة والكتابة والشؤون الحياتية اليومية. من الواضح أن ما حدث هو تغيير إلى الأفضل.
لم تتغير المواقف وحدها إلى الأفضل بل تدخلت جهات رسميّة أيضاً لمساعدة الأطفال الذي يعانون من صعوبات في التعلم. وأصبح بإمكانك اليوم أن تتوقع مساعدة لمواجهة المشكلة من الجهازين التعليمي والطبي. لقد بعثت هذه الخطوة راحة كبرى في نفوس الأهل وتقدماً ملحوظاً للأطفال المعنيين.
بدأ التحوّل الأساسي عندما شرع الجهاز الطبي بمحاولات تشخيص صعوبات التعلم ومشاكل السلوك وتوصيفها. أما الهدف فكان حل مشكلة الطفل. وكانوا يعتقدون أنه من نقطة الانطلاق هذه ـ أي تشخيص المشكلة وإعطائها اسماً ـ تنبثق بداية علاج المشاكل.
أما الأسماء المستعملة فهي: نقص الانتباه والنشاط المفرط (ADHD)، واضطراب نقص الانتباه (ADD)، وعسر القراءة (dyslexia)، وعسر الحركة (dyspraxia)، والتوحد وعارض توريت Tourette واضطراب الوسواس القهري (OCD) (وهو عبارة عن حالة تتصف بالأفكار الوسواسية والتصرفات التي لا يقدر صاحبها على مقاومتها كأن يغسل مثلاً يديه مراراً وتكراراً، ومع ذلك يظل يشعر بعدم النظافة).
هذه الأسماء مستعملة في جميع أنحاء العالم ويجدها معظم الناس مفيدة نظراً لعدد من الأسباب. أما السبب الرئيسي فهو أن المساعدة والدعم اللذين يلقاهما الطفل يتوقفان على تشخيص وتوصيف الجهازين الطبي والتعليمي لحالة الولد.
وهذا أمر يساعد الأهل كذلك. فإعطاء تسمية للمشكلة الحاصلة يعطيهم إحساساً بأنهم يعرفون ما هي المشكلة وأن هناك حلاً لهذه الحالة الخاصة ولعل هذا ما يخفف من شعورهم بالعجز والوحدة. أما بالنسبة للطفل، فقد يشعر ببساطة بالامتنان للمساعدة والاهتمام الإضافيين اللذين يلقاهما بدلاً من الضغط عليه بقسوة أكبر.
يجب أن تخضع حالة الطفل أولاً للتشخيص على يد مختصين فذلك يجعلنا نتأكد من أن الطفل سيلقى الدعم الملائم من المدرسة وبالتالي سيتم القيام بعمل ما لحل هذه المشكلة. يصاب معظم الأهل بالخيبة لدى سماعهم بأن طفلهم يعاني من عسر القراءة والكتابة ولكنهم يشعرون كذلك بالارتياح لأن المشكلة قد حُدِّدت. والمنطق يقول إنه إذا ما أعطيت المشكلة اسماً فلا بد أن على أحدهم القيام بشيء ما حيالها أو سيقوم بشيء حيالها.
فأيها الأهل ما من ولد لا يتمتّع بذكاء وكل ولد قادر على الدراسة والتقدّم لضمان مستقبل ناجح شرط أن نشخّص مشكلته باكراً.
كونوا واعين لصعوبات أولادكم. لا تترددوا باستشارة الأخصائيين عندما تشكون بأي من المشاكل المذكورة.