الاعتقاد بأنك “إذا خضت في كل شيء، فلن تفلح في أيّ شيء” يمكننا كمتعددي المواهب أن نصطدم سريعاً بهذا الاعتقاد.
ولعل هذا الاعتقاد هو ما يجعلكم تخشون على أولادكم. لكن هذا الاعتقاد لا يأخذ العديد من العوامل بعين الاعتبار، لاسيما الحماسة والحافز اللذين نشعر بهما حين نبدأ مشروعاً جديداً. إن متعدد المواهب لا يختار مجالاً جديداً بدافع الكسل بل يختاره بدافع الشغف ويبدأ العمل عليه بحماسة ويشعر بالتوق لأن يتعلّم أكبر قدر ممكن من التفاصيل حول هذا الموضوع الجديد.
وهذا ما يجعله يتعلّم بسرعة كبيرة غالباً، فهو قادر على أن يتأقلم بسهولة مع كل ما يصادفه في دربه. (هل تتذكرون قواه الخارقة؟)
إذن، قد لا يصبح يوماً متخصصاً في شيء ما (وما أدرانا أيضاً). لكن هذا لا يحول دون أن يظهر مهارة (ومهارة كبيرة حتى) في مجال أو اكثر!
وهذا لن يمنعه من أن يطوّر مهارات يمكنه أن يستفيد منها إلى ما لا نهاية في كافة المجالات التي يستكشفها.
الشكوى من أنه “متقلّب/مشتت”
هذه مسألة تتكرر غالباً: الاعتقاد بأننا متقلّبون.
فالاعتقاد الشائع هو أنه ينبغي أن نركّز على مسألة واحدة طيلة الوقت اللازم لإنجازها قبل أن ننتقل إلى مسألة أخرى.
لكننا نعمل بطريقة مختلفة، والتركيز لفترة طويلة على مسألة واحدة يمكن أن يتحوّل إلى معاناة بالنسبة إلينا نحن متعددو الإمكانات
تجربة
أخذت على سبيل المثال دروساً في الغناء لبعض الوقت، وعملت كثيراً على تهذيب صوتي، حتى أني فكرت في أن أمتهن الغناء. وساعدني هذا كثيراً يوم قررت أن أطلق قناتي على يوتيوب فقد اعتدت سماع صوتي كما ساعدني هذا على اكتساب ثقة أكبر بنفسي ولاسيما بقدرتي على التعبير. في نهاية الأمر، ما تعلّمته في الغناء ساعدني إذاً في مجال آخر تماماً.
وينطبق الأمر نفسه على طفلكم. حتى لو كان متحمساً لشيء ما في مرحلة ما وانطفأت شعلة هذه الحماسة، فلا يعني هذا أنّ ما تعلمه لن ينفعه في شيء أبداً. على العكس من ذلك، فهذا تحديداً سيعزز قدراته على التعلّم، وعلى التكيّف، وقدرته على الربط بين الأمور، وعلى التجديد والابداع، وسيجعله أكثر جاذبية في عالم العمل لدى الشركات والمؤسسات التي تبحث عن مثل هذه المواصفات!
مثل ملموس
إذا لم تقتنعوا تماماً، فما رأيكم في أن تفكروا في ليوناردو دافنتشي؟ هذا الرجل الذي كان فناناً، ومنظم مسرحيات وحفلات، وعالماً ومهندساً ومخترعاً وعالم تشريح ورساماً ونحّاتاً ومهندساً معمارياً ومخطط مدن وعالم نبات وموسيقياً وشاعراً وفيلسوفاً وكاتباً (المصدر: ويكيبيديا)
ماذا كان ليحصل لو قلنا له: “لا، عليك أن تركّز على الرسم! انسَ هواياتك الأخرى وكل ما يثير شغفك سواه؟؟؟؟”
لخسرنا الكثير، أليس كذلك؟
نعم، قد لا يكون طفلكم موهوباً بقدر دافنتشي (لا يمكننا أن نجزم هنا) لكن اجباره على أن ينكر طبيعته الحقيقية والعميقة لن يساعده في شيء.
وأعتقد فعلاً أن مساندته، ومواكبته ومنحه الثقة يمكن أن تساعد في ابراز شيئ جميل جداً. ولن يمنعه هذا أبداً من أن يكون بارعاً في مجالات متعددة.
حتى لو اضطررنا لاحقاً لأن نتعامل مع “متلازمة المحتال” التي تكون حاضرة لدى متعددي المواهب، لاسيما البالغين منهم. أعتقد أنّ الحصول على الدعم الكافي في الصغر، سيحول دون الشعور بأني أقل براعة في مجال ما من شخص درسه لسنوات أكثر مني. فالوقت الذي أمضيناه في الدراسة ليس المعيار. والحماسة والشغف يلعبان دوراً أيضاً فضلاً عن القدرة على التعلّم والفهم. إذن، نحن لسنا حكماً أقل براعة من أشخاص درسوا لفترة أطول منا!
تابعوا المقالة التالية : هل ولدكم كسول يتخلى عما يفعله عندما تصبح الأمور صعبة جداً ؟