أظهر بحث جديد فروقات مثيرة للإهتمام بين شخصيّة الجنسين ما قبل المراهقة.
ماذا نعني بالشخصيّة؟
يذكر علماء النفس ممازحين أحيانًا أن معظم دراساتهم قد أجريت على أشخاص “غريبي الأطوار”. ويعنون بغريبي الأطوار الأشخاص الذين يسكنون في البلدان الغربيّة، والمثقّفة، والصناعيّة، والغنيّة، والديمقراطيّة.
والطرفة هنا، رغم كونها غير مضحكة بالنسبة للعلم، هي أن القليل من الدراسات بذلت مجهودًا من أجل الوصول إلى أبعد من هذه الرقعة الضيّقة من البشريّة. وعليه، فإنّ عدم تضمين دراستهم اشخاصًا من مختلف البلدان والعرقيّات، تبقي التعميمات التي يقوم به علماء النفس غير قابلة حقًّا للتعميم.
ولكن هناك أيضًا مجموعة أخرى من الناس غير الممثّلين بشكل كاف ضمن الأبحاث النفسيّة وهم: الأطفال والمراهقين. فمن الجيّد رؤية المقالات غير الدوريّة تكسر النمط وتقوم بإكتشاف مجموعة سكانيّة يصعب الوصول إليها.
هذا هو بالتحديد ما هدفت إليه الدراسة الجديدة التي نشرت في الصحيفة التي تتناول مواضيع متعلّقة بالشخصيّة وعلم النفس الإجتماعي.
قام فريق من علماء النفس ترأسه كاساندرا براندس من جامعة نورث وسترن بإختيار أمهات 440 طفلًا تتراوح أعمارهم بين 9 و 10 سنوات للمشاركة في مشروع بحث تتبّعي. لقد كان دور الأمهات بسيطًا: إذ طُلب منهنّ إتمام إختبار الشخصيّة نيابة عن أطفالهن كل سنة ولمدّة أربع سنوات متتالية.
وكان الهدف من تلك الدراسة اكتشاف تغيّرات الشخصيّة في بداية المراهقة مع مرور الوقت. ولقد طُرحت فرضيّتان. الأولى، تسمّى مبدأ النضج، ترى أنّه حين ينتقل الأفراد من كونهم أطفالاً إلى راشدين، يصبحون أكثر نضجًا، وإيجابيين في تعاطيهم الإجتماعي، ولديهم القدرة على ضبط مشاعرهم وتصرّفاتهم. حيث يتحوّلون إلى نسخة أفضل من ذاتهم كأطفال. فيما تعتبر فرضيّة منافسة تسمّى فرضيّة الإضطراب، أن العبور من مرحلة المراهقة إلى مرحلة النضج ليس بالخط المستقيم، وإنّما يُظهر المراهقون سلوكًا غير إجتماعيًا وعدم القدرة على ضبط النفس خلال مرحلة النمو هذه.
كان الباحثون مهتمّين بمعرفة ما إذا كانت تغيّرات الشخصيّة بين سن 9 و13عامًا هي أكثر دلالة على مبدأ النضج أو على فرضيّة الإضطراب. ولهذا الغرض، قاموا بتتبّع مسارات السمات الرئيسيّة الخمس للشخصيّة وهي: الإنبساط، والعصابيّة، والإنفتاح على التجارب، والتوافق، والإنضباط.
ومن المستغرب أنّهم قد لاحظوا درجة كبيرة من الإستقرار في هذه السمات، على الأقّل حسب تقرير الأمّهات. فسمة الخجل، على سبيل المثال، التي يصنّفها الباحثون على أنها المكوّن الفرعي للعصابيّة، كانت مستقرّة بشكل كامل على مدى الأربع سنوات. ولقد ظهر تغيّر بسيط في سمات التنظيم، والذكاء، والمراعاة، والمشاعر الإيجابيّة.
إلا أن بعض السمات قد أظهرت تغيّرًا جوهريًّا. ومن بين سمات الشخصيّة الخمس الكبرى التي تمّ دراستها، أظهرت سمة التوافق أعلى درجة تغيّر— فلقد سجّل الأولاد البالغون الثلاثة عشر من العمر نتيجة أعلى بكثير على سمة التوافق مقارنة بأنفسهم في عمر التسع سنوات. وبالإضافة إلى ذلك فلقد إنخفضت نتيجة سمة الإنفتاح على التجارب ما بين عمر التسع سنوات والثلاث عشرة سنة.
ولقد وجد الباحثون كذلك أربعة فروقات مثيرة للإهتمام بين الجنسين. فقد أظهر الذكور، على سبيل المثال:
- انخفاضًا أكبر في سمة العصابيّة.
- ارتفاعًا أكبر في سمة المراعاة.
فيما أظهرت الإناث:
- إرتفاعًا أكبر في الإنبساط.
- إرتفاعًا أكبر في توجيه الإنجاز.
ولقد أفاد الباحثون ما يلي، “أظهرت نتائجنا أن شخصيّة الأولاد قد نضجت بنسبة صغيرة خلال مرحلة الطفولة الوسطى من ناحية ضبط المشاعر والتصرّفات التي تتعارض مع المجالات التي تتطلّب مهارات أعلى، مع إضطراب برز فقط في سمة واحدة وهي الإنفتاح على التجارب. وتشكّل هذه النتائج داعمًا إضافيًّا لفكرة إستمرار نضوج الشخصيّة في مرحلة ما قبل المراهقة أكثر منها لفرضيّة الإضطراب، على الأقل، وفقًا لتقرير الأمّهات.”
إن هذه الدراسة تحاكي بعض النتائج التي ظهرت في البحث الذي تناول شخصيّة الراشدين، حيث كان هناك إجماع حول أن شخصيّة الراشدين تظهر تحسّنًا تدريجيًّا مع الوقت. ولقد أظهر البحث، على سبيل المثال، أن الأشخاص في عمر الخمسين يكونون أكثر تفاؤلًا من عمر العشرين. وكذلك يصبح الأشخاص أكثر توافقًا وإنضباطًا كلما تقدّموا في السن. وبيّنت إحدى الدراسات أنه حتى النرجسيّين يتعلّمون ضبط النفس مع مرور الوقت .