لا أريد أن آكل..
يحمل الطعام معنى، فهو أول صلة بين الأم والطفل ولعله مصدر القلق الأول. «إنه لا يشرب الحليب. إنه يتقيأ. يبدو وكأنه لا يهضم الأكل جيداً…» وفي مرحلة لاحقة، عند الجلوس إلى المائدة أي موعد المشاركة العائلية الشهيرة، تتخذ الوجبات طابعاً عاطفياً بقدر ما هو غذائي. نأكل ما في طبقنا وما هو حولنا (الجو، الدفء العائلي…). وهذا مع كل وجبة!
«لا، لا أريد أن آكل هذا!»
يُعتبر الفطور صلة وصل عاطفية قبل الذهاب إلى المدرسة. ويسمح الغداء الذي يتناوله الطفل خارج المنزل بتذوّق طعم مختلف وبالتعوّد على الجماعة. وتأتي وجبة بعد الظهر الخفيفة كلحظة لتخفيف الضغط واستعادة الصلة بالأم. أما العشاء فهو احتفال باجتماع شمل العائلة.
لا تقلقي إذا ما راح طفلك يعبس أمام طبقه ويزم فمه عندما يحين موعد العشاء. تُعاش الوجبة أحياناً كصراع على السلطة بين الطفل والأهل. فما إن يبلغ الطفل سن اختبار الرفض وتقدير قوة كلمة «لا»، أي عندما يبلغ من العمر 18 شهراً، حتى يبدأ باستخدامها على المائدة خاصة. يسعى لأن يقول: «لا، لن تجبريني على تناول ما تريدينه. أنا من يختار. أنا كبير بما يكفي (هذا ما يعتقده على الأقل) لأقرر ما أريده في حياتي، لأواجهك وأعارضك. لم أعد طفلك». وهكذا، يعلن الطفل عن بدء مرحلة جديدة «أنا كبير وسأثبت استقلاليتي».
وهنا، تصبح كافة النزوات طبيعية. فيحب البعض هذا الطبق أو ذاك حصرياً: حلوى بالكراميل، معجنات من هذا النوع أو ذاك، الخ… فيطالبون بها على الفطور والغداء والعشاء وللوجبات الخفيفة أيضاً. اعتباراً من سن 18 شهراً أو سنتين، يرفضون تناول كل ما يشبه الخضار الخضراء (خس، لوبيا…) وتصبح أطباقهم المفضّلة: المعكرونة، البطاطا المقليّة والأرز أو البطاطا المقلية والأرز والمعكرونة.
حافظي على هدوئك وكوني إيجابية
نخشى دوماً ألا يتغذى أطفالنا جيداً وألا يكبروا. هل علينا أن نعاقبهم بقسوة أم نتركهم يأكلون ما يرغبون فيه؟ عليك أولاً أن تبتعدي عن الهلع:
- حددي الأمور: لا تخلطي بين مخاوفك الخاصة (فشل دورك كأم تغذّيه) ومشكلة الطعام الحقيقية.
- لا تشعري بالذنب: لا يتساوى كافة الأطفال أمام الطعام، فقد لا يأكل ابنك كثيراً ويكون بصحة جيدة. نذكّر هنا بالمقولة الشهيرة: «ما من ولد يموت جوعاً» (ليس في هذه السن على الأقل). إذا كان صديق ابنك يلتهم قطعة لحم ضخمة على الغداء فيما طفلك بالكاد يبتلع ثلاث حبات من البطاطا، فلا تجزعي. فشهية الراشدين على الطعام أيضاً ليست نفسها دوماً!
- لا يأكل في المدرسة: تحققي من ذلك! لعل هذا ما تعتقدين فيما الحقيقة مغايرة تماماً. اكتشفي الحقيقة وناقشي الأمر مع المسؤولة عنه في المدرسة. قد تُفاجئين!
إن كانت المائدة مصدراً للصراعات.. - قللي الحصص: كلما زاد قلقك، كلما ملت إلى ملء طبقه أكثر ربما اعتقاداً منك أنه سيتناول المزيد. لكن العكس هو ما يحصل إذ تخمد عزيمة الأطفال أمام حصص الطعام الضخمة ويخطر لهم «لن أتمكن من تناول هذا كله أبداً!»
- ضعي حداً للصراعات الداخلية: لا تجعلي من الوجبات مناسبة لتصفية الحسابات. لا تجبريه على تناول الطعام! كتبت فرانسواز دولتو في كتابها «دروب التعليم» أنّ إجبار الطفل على تناول الطعام إن لم يكن جائعاً تصرّف شرير. ولعل الأمر الأخطر هو أن إجباره يمكن أن يؤدي سريعاً إلى انطوائه على ذاته.
- عندما يقول عندما يقول الطفل ” لا أريد أن آكل” ذكّريه ببعض القواعد: إنه يأكل لنفسه وليس من أجلك؛ إن هذا جسده هو؛ يجب ألا يترك المائدة طيلة الوجبة ابتداء من المقبلات وحتى التحلية؛ نأكل ونحن جالسون إلى المائدة وليس في مكان آخر؛ يجب أن يتذوّق القليل من كل طبق إذا أمكن ذلك. كوني واضحة معه: يُمنع تناول الطعام خارج الوجبات، ويُمنع تناول البطاطا المقرمشة والحلويات بعد الساعة الخامسة بعد الظهر. لن يتناول أيّ طعام بعد تركه للمائدة. ولعلها مناسبة كي نعيد نحن الراشدون النظر في نظامنا الغذائي.