تكاد السنة الدراسية أن تنتهي. لقد خاض الأهالي والمعلمات والطلاب تجربة جديدة من نوعها في هذا العام: تجربة التعليم عن بعد، أو ما يُطلق عليه مصطلح “التعليم الافتراضي”. حاولنا عبر موقع التربية الذكية أن نتعرّف على آراء بعض المعلمات من ناحية والأهالي من ناحية أخرى. فتنوّعت الآراء حول هذه التجربة، بين “مهزلة” و”مأساة” وبين “فرصة للتعرف على أساليب جديدة في الشرح والتواصل”.. وعن سؤالنا حول أطرف المواقف خلال هذه التجربة حدثوا ولا حرج! إليكم التفاصيل عبر هذا المقال.
آراء المعلمات
كأنني أكلّم نفسي
بنظر لورا، معلمة لغة عربية في الصف الرابع والخامس، شكّل “التعليم عن بعد” في البداية أزمة نفسية للمعلمات والأهل والتلاميذ. “فالمدارس والمعلمات غير مهيئين والأطفال مصدومون، خاصة صغار السن منهم. حاولنا كمعلمات استخدام العديد من الأساليب لإيصال الفكرة ولفت نظر الطلاب، دون جدوى. كأننا نكلّم أنفسنا! ناهيك عن مشاكل الإنترنت، إنها معاناة حقيقة لجميع الأطراف”.
تعليم صفوف الروضات دون أنشطة.. فاشل
ضاعت هيبة المعلمة
كمعلمة صفوف روضات، تجد نادين أن تعليم أطفال هذه المرحلة يرتكز على الأنشطة أكثر من الشرح والتفسير. لذلك التعليم عن بعد لم يكن تجربة ناجحة معهم. من الأمور السلبية التي عانت منها أيضاً، مشكلة إلغاء الخصوصية للمعلمة، أي خطأ قد يحصل ولو طفيف أو موقف طريف لا يبقى بين جدران الصف بل تتداوله أسر الأطفال جميعاً، لا بل الجيران أيضاً.. بهذه الطريقة تضيع هيبة المعلمة أمام الطالب، وبالتالي تفقد المعلمة سلطتها والقدرة على السيطرة على الأمور.
“مس فاطمة مس فاطمة، هادي يغش!”
بالنسبة لفاطمة التي تعلّم طلاب روضة ثالثة، التعليم عن بعد يحمل تحديات كبيرة، بسبب تغير الروتين على الأساتذة والطلاب. وتغيّر أسلوب التعليم الذي أصبح أصعب، بحيث يحتاج المعلمون إلى ابتكار أساليب ممتعة كي لا يشعر الأطفال بالملل. وعن المواقف الطريفة التي واجهتها تقول فاطمة “أضحكني هذا الموقف كثيراً، فأم أحد الطلاب شاركت نيابةً عنه في الدرس عبر الكتابة، وجميعنا نعلم أنه ما زال لا يعرف كيف يكتب، فحاولتُ التغاضي عن الموضوع كي لا أحرج الأهل والطفل.. إلا أن أحد زملائه فتح الميكروفون صارخاً “مس فاطمة مس فاطمة، هادي يغش!” فلم أتمكن من تمالك نفسي وأطفأت الكاميرا لبعض الوقت وانهرتُ ضاحكةً.”
تواصل الأهل وتحوّل المعلمة إلى مرشدة نفسية
أما ميراي معلمة لغة إنجليزية، فهي تعلم تلاميذ الحلقة الأولى في صف الثاني أساسي. بالنسبة لها لهذه التجربة إيجابياتها وسلبياتها. تقول “هناك تعب في تحضير مقاطع الفيديو ووسائل الإيضاح والأنشطة. كما أصبح التواصل مباشراً مع الأهل، يتصلون بنا حين يشاؤون. تحولت المعلمة إلى مرشدة نفسية لأهالي الطلاب. فمعظم الأهالي يعانون من ضغوطات نفسية كبيرة بسبب هذه التجربة”. عن الإيجإبيات تذكر أيضاً أنه في حال غياب الطالب أو عدم تمكنه من التركيز على كل تفاصيل المحاضرة، بإمكانه العودة إلى مقطع الفيديو المسجل. بالإضافة إلى ذلك اضطر الأهالي إلى تحمل جزء من المسؤولية ومتابعة أطفالهم عن كثب. فيما يتعلق بالغش، باستطاعة ميراي كشف الطالب من خلال نظرة عينيه اتجاه الشاشة أثناء الإجابة أو تسميع الدرس. برأيها هي تجربة ناجحة إذا تابع الأهل أطفالهم بالطريقة الصحيحة. كما ذكرت ميراي أن هذا الجيل هو جيل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، وعبر التعليم عن بعد واكب المعلمون عصر طلابهم وأصبحت وجهات النظر أقرب.
آراء الأهالي
فضلتُ أن أخسر سنة دراسية على أن أخسر إبني
تتحدث وفاء، والدة طفل في صف الروضة الثالثة عن معاناتها مع هذه التجربة قائلةً: “كنتُ أعاني من ضغط نفسي شديد بسبب عدم تجاوبه مع تجربة التعليم عن بعد، وأظن أنه سيخسر سنته الدراسية إن لم أجبره على المتابعة. حتى أنني ذات مرة ضربته في لحظة انفعال، ثم تذكّرت أن الذنب ليس ذنبه. أدركتُ حينها أنني إن استمريتُ على هذا النحو سأدمّر علاقتي بإبني وقد أحطم معنوياته. فضلتُ أن أخسر سنة دراسية على أن أخسر إبني، على أمل أن تفتح المدارس أبوابها في السنة المقبلة”.
تجربة فاشلة لصغار السن
أما زينب فلديها طفلان، الأول في الصف السابع، والثاني في الصف الأول إبتدائي. تجربة التعليم عن بعد برأيها ناجحة مع الأطفال بدءاً من الصف السادس.. فهم يدركون أن عليهم أن يدرسوا كي ينجحوا، يفهمون إلى حدٍ ما فكرة الإلتزام والمسؤولية.. أما مع الأطفال الأصغر سناً فهي تجربة فاشلة جداً.
مهزلة حقيقية
بالنسبة لعُلا والدة طفلة في الصف الأول، التعليم عن بعد مهزلة حقيقية. الأطفال يغشون في الإمتحانات، الأهالي يكتبون الواجبات المدرسية، عدا عن النوم أثناء المحاضرات.. ومشكلة الإنترنت. برأيها سيتخرج هذه السنة أفشل جيل عرفه تاريخ البشرية.
أما عن المواقف الطريفة فحدثوا ولا حرج:
الميكروفونات المفتوحة:
- أين وضعتِ قميصي؟
- ماما أريد أن أدخل الحمام!
- واء واء واااااااااء
- أعد اللعبة إلى أختك الآن!
هذا عدا عن المشاكل العائلية التي تُنقل من خلال بث مباشر إلى المعلمة وطلاب الصف أجمعين وأهالي الطلاب الذين يشرفون على العملية التعليمية. نعم أعزائي، خصوصية الأهل أثناء عملية التعليم عن بعد شبه معدومة. تخيّلوا معنا المشهد.. تماماً كأن الاسرة بكافة أفرادها تجلس في الصف.
تغيّر السيناريو الدرسي بالكامل
أطفالنا الصغار سعداء جداً بتجربة التعليم عن بعد. إليكم اختلاف السيناريو عن ما كان عليه قبل هذه التجربة:
يرن المنبه، يستيقظ الطفل، ينظف أسنانه، يغسل وجهه، يرتدي ملابسه، يمشط شعره، يشرب الحليب، يخرج من المنزل، ينتظر الباص قرب منزله، يصعد في الباص، يترجل إلى المدرسة، يصعد إلى الصف، ينتظر المعلمة، يبدأ الدرس.
يرن المنبه، يستيقظ الطفل، يشغل اللابتوت أو الآيباد، ويبدأ الدرس.
الزي المدرسي
وداعاً لتلك الشنطة المدرسية الثقيلة، وداعاً لذاك الزي الرسمي، وداعاً لإجبارنا على قص شعرنا، وداعاً لكل القوانين… أهلاً بطلابنا في ملابس النوم، الشعر المبعثر، والقيلولات اللامتناهية أمام شاشات التواصل.
انقطاع الإنترنت لدى المعلمة:
في هذه اللحظات تسمع الأم صوت طفلها يصرخ محتفلاً “لقد انقطع الإنترنت، إنتهى الدرس” ويبدأ الطلاب الجدد بالتعرف على زملائهم، والحديث عن مغامراتهم وألعابهم المفضلة. فتتحول جلسة التعليم عن بعد إلى جلسات تعارف عن بعد. ذلك عدا عن توقف الفيديو على صورة أثناء شرح المعلمة في مشهد لا تُحسَد عليه، وانهيار الأطفال من الضحك.
تحدث الأطفال معاً أثناء المحاضرة:
- مرحباً أحمد، هل ستلعب معي لعبة فورتنايت بعد انتهاء الدرس
- طبعاً يا ربيع، لقد تخطيتُ مرحلة جديدة.
ثم ينادي رامي “أنا أيضاً أود الانضمام إليكم”
فتحتار المعلمة تضحك أم تبكي أم تغضب، ثم تحاول السيطرة على كل هذه المشاعر ولفت انتباه الطلاب بطريقة جديدة.