أن نرسل أولادنا إلى المدرسة في سن مبكرة ليس بالخيار الأفضل
هل الرغبة في تغيير سن الدخول إلى المدرسة فكرة جيدة أم خاطئة؟
شاطرت كيري ماكدونالد، وهي حائزة على إجازة في الإقتصاد من جامعة بودوين وعلى ماجستير في السياسة التربوية من هارفرد، وأم لأربعة أطفال، وصاحبة كتاب “خارج المدارس: كيف تربي أطفالاً فضوليين ومتعلمين خارج صفوف المدرسة التقليدية”. المتابعين أفكارها حول هذه المسائل على موقع “مؤسسة التعليم الإقتصادي”. تجدر الإشارة إلى أنّ أفكارها متأثرة بالواقع الأميركي لكنها تدعو إلى إعادة النظر في هذه المسائل في كافة أنحاء العالم. إليكم ترجمة حرة لما تقدّمت به.
يعرف الأهل الفرق الذي تشكّله كل سنة في نمو الطفل ونضجه. فالطفل في عمر السنة الواحدة بالكاد يمشي في حين أن الطفل في عمر السنتين يبتعد عنكم بكل فرح. أما الطفل في سن الرابعة فلا يتوقّف عن الحركة، ويتخيّل ويطرح الأسئلة بشكل متواصل فيما الطفل في سن الخامسة يمكن أن يبدأ بالجلوس والإستماع لفترات أطول.
الأطفال لم يتغيّروا لكن ما نتوقّعه بشأن سلوكهم تغيّر. ففي جيل واحد بالكاد، أصبح الأطفال يلتحقون بالمدارس في سن مبكرة ويمضون فيها وقتاً أطول من ذي قبل. إنهم مجبرون أكثر فأكثر على أن يتعلّموا وفي سن مبكرة محتوى أكاديمي قد يتجاوز إلى حدّ بعيد قدرات النمو لديهم.
في العام 1998، كان 31% من المدرّسين يتوقّعون أن يتعلّم الأطفال القراءة في صفوف الروضة. في العام 2010، أصبح 80% من المدرّسين يتوقعون ذلك. أما الآن، فيُفترض بالأطفال في صفوف الروضة أن يقرأوا وأن يصبحوا قارئين كفوئين بعد وقت قصير. رغم الأبحاث التي تُظهر أن تعليم القراءة والكتابة في سن مبكرة يُضر الأولاد أكثر مما يفيدهم.
في التقرير الذي يحمل عنوان “القراءة في صفوف الحضانة: نكسب القليل ونخسر الكثير”، تُحذّر نانسي كارلسون-بايج وهي بروفسور في التعليم وزملاؤها من المخاطر المرتبطة بتعلّم القراءة في سن مبكرة. وورد في التقرير ما يلي: عندما يتعرّض الأطفال لتجارب تعليمية لا تتناسب مع مستوى نموهم وتطوّرهم ومع حاجات التعلّم لديهم ومع ثقافتهم، فقد يضرّهم هذا ويوّلد لديهم شعوراً بعدم الكفاءة، والقلق والتشوّش.
وبدلاً من أن نعترف بأن التعليم هو المشكلة، نوجّه أصابع الإتهام إلى أولادنا.
واليوم، يُصنّف الأولاد الذين لا يقرأون وبحسب معيار تصنيف مصطنع، بأنهم يعانون من تأخّر في القراءة ويُنصح الأهل بمعالجات متنوعة لمساعدة أطفالهم على تعويض هذا التأخّر. في المدرسة، يجب أن يتشابه الجميع. إذا لم يصغ الطفل إلى المدرّس وأمضى الكثير من الوقت وهو يحلم أو يتلوى في مكانه فيُصنّف عادة على أنه يعاني من “اضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط ADHD” وغالباً ما يُعطى أدوية نفسيّة قويّة.
المدرسة في سن مبكرة:
تشير المراكز الأميركية للسيطرة على الأمراض والوقاية منها إلى أنّ حوالى 11% من الأولاد الذين تتراوح أعمارهم ما بين 4 و17 سنة تم تشخيصهم على أنهم يعانون من اضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط ADHD. وأنّ هذا الرقم ارتفع بمعدل 42% ما بين 2003-2004 و2011-2012، ويخضع غالبية هؤلاء الأطفال للعلاج بالأدوية. ولعل الأمر المقلق أكثر هو أن ثلث الحالات المشخّصة تعود لأطفال دون السادسة من عمرهم.
إذا وضعنا أطفالنا في بيئة تعليمية اصطناعية وفصلناهم عن عائلاتهم لفترات طويلة. وإذا توقّعنا منهم أن يلتزموا ببرنامج دراسة موحّد وقائم على اختبارات. لا ينبغي أن نستغرب إن لم يتمكّن الكثير منهم من التعامل مع الأمر.
المدرسة في سن مبكرة:
وتؤكد اكتشافات جديدة لباحثين في كلية الطب في هارفرد أنّ المدارس التي يلتحق بها أولادنا بشكل مبكر هي التي تفشل وليس أطفالنا. وجد هؤلاء الباحثون أنّ الأطفال الذين يلتحقون بالمدارس وهم الأصغر سناً في صفوفهم يشخّصون بأنهم يعانون من اضطراب نقص الإنتباه مع فرط النشاط أكثر من أولائك الأكبر سناً في الصف. في الواقع، وفي الولايات الأميركية التي خضعت للدراسة مع موعد نهائي للتسجيل في الأول من أيلول/سبتمبر. يواجه الأطفال المولودون في شهر آب/أغسطس خطر الإصابة باضطراب نقص الإنتباه وفرط النشاط بمعدل 30% أكثر من رفاقهم الأكبر سناً.
يجب ألا يفاجئكم هذا…
فالأهل لا يحتاجون إلى باحثين من هارفرد ليقولوا لهم إن طفلاً بلغ للتو خمس سنوات من العمر يختلف إلى حدّ كبير عن طفل في السادسة من عمره، على مستوى النمو. وبدلاً من ذلك، ينبغي على الأهل أن يعترضوا على دوافع وقرارات الحكومات بشأن الإلتحاق بالمدارس وألا يشاركوا فيها.
وكلما انتشرت برامج الحكومة العالمية للتعليم المبكر أكثر وكسبت تأييداً أكبر. سيصبح من الصعب على الأهل أكثر فأكثر أن يؤخّروا دخول أولادهم إلى المدارس أو ألا يشاركوا في هذه البرامج. خفّضت ولاية أيوا الأميركية على سبيل المثال مؤخراً سن الدخول الإلزامي إلى المدرسة ليشمل الأولاد في سن الرابعة من العمر المسجلين في برنامج حكومي للتعليم المبكر.
وفي حين أنّ مدينة نيويورك توسّع برنامجها العالمي لمرحلة ما قبل الروضة ليشمل كل الأولاد الذين بلغوا من العمر ثلاث سنوات. فهل سيتم احترام القوانين المتعلقة بالالتحاق الالزامي بالمدرسة للأولاد في سن مرحلة ما قبل المدرسة؟ نشر قسم التعليم في مدينة نيويورك ورقة بيضاء (تقريراً) يصف فيه بالتفصيل “نظام عناية ورعاية وتعليم من مرحلة الطفولة المبكرة حتى سن الخامسة”. مانحاً صلاحيات أكبر للمسؤولين الحكوميين كي يتحكموا بالتعليم وبنمو وتطوّر مرحلة الطفولة المبكرة.
كلما أصبح الدخول إلى المدرسة أكثر تشدداً وتصلباً وأخذ المزيد من الوقت خلال الطفولة، كلما تسبب بضرر أكبر لأولادنا. فالعديد منهم يعجزون عن تلبية التطلّعات غير الواقعية على المستويين الأكاديمي والسلوكي. في هذه السن المبكرة فيتم إعطاءهم أدوية وأدوية للتأخّر وللإضطرابات التي غالباً ما تكون غير موجودة إلا في الإطار المدرسي. يجب أن يعارض الأهل هذه الإتجاهات المثيرة للقلق عبر ابقاء أطفالهم بقربهم لوقت أطول أو عبر الانسحاب كلياً من المدرسة القسريّة.