جراح ماضينا:
وسيلة سهلة وفعالة.. للتصالح مع الذات! (الجزء الثاني من قصة ناديا وناثان)
تعرفتم في المقال السابق على قصة ناديا وإبنها ناثان، وقد تعرف قسمٌ كبيرٌ منكن على نفسه من خلال هذه القصة، نظراً لعدد التعليقات الكبير الذي كُتِبَ حول المقال.
لذا، إن كنتنّ من السيدات اللواتي وجدنَ أنفسهن في المشاكل التي تعاني منها ناديا.. ستجدنَ مفاجأة جميلة في نهاية المقال !!
لكن قبل التعرف على هذه المفاجأة، سنترك كارول تخبركم عن تكملة هذه القصة…
الجزء الثاني من قصة ناديا وإبنها ناثان
إليكم ملخصاً سريعاً لتستعيدوا قصة ناديا وإبنها ناثان:
تكاد ناديا اليوم تختنق، إبنها يظهر دائماً حساسيةً مفرطة، فيحزن ويغضب من أتفه الأمور. بالإضافة إلى ذلك، فهو يطلب الإهتمام دون توقف، حتى في المساء. لم تعد تستطيع تحمّل الوضع. أصبحت تعاني من التوتر ولم تعد كلمة صبر موجودة في قاموسها.
ناديا تتساءل إذا ما كان هناك خطبٌ ما في إبنها، أو إذا ما كانت قد أخطأت في اختيار نمط التربية (فقد كان زوجها يخبرها دائماُ بأن قصة التعاطف الزائد سترتد عليهم كأداة البوميرانج). ناديا تشعر بالذنب وتقارن طفلها بباقي الأطفال، كما أنها يئست من العثور على إجابات حقيقية حول سلوك طفلها المندفع والحاد.
تعيش ناديا اليوم عاصفة داخلية حقيقية، فبعيداً عن سلوك طفلها “الصعب”، يعكس ناثان صورتها كالمرآة، ويعيدها إلى طفولتها التي كانت تتعايش خلالها مع الحياة بنفس الاندفاع والشعور بأن لا أحد يفهمها.
إذا قمنا بطرح السؤال عليها، ستجيب ناديا بالتأكيد بأنها عاشت مرحلة طفولة طبيعية خالية من المشاكل. وأنه لا يوجد ما يمكنها أن تشكو منه (فهناك دائماُ ما هو أسوأ في مكان آخر، أليس كذلك؟).
أما عن والديها فسيخبرانك بأنها كانت مهذبة معظم الوقت وأنها لم تسبب لهما أي مشاكل حقيقية (على عكس أخيها أو أختها…)
المشكلة تمكن في أنها نسيت. انتهى بها الأمر إلى اخفاء ما كان صعباً عليها حين كانت صغيرة. اخفاء هذا الشعور بالإختلاف وبأنها بمنأى عن الآخرين، بأنها لم تنتمِ يوماً إلى مجموعة، وبأنها لم تفهم يوماً لِمَ يتصرّف الناس على هذا النحو. لظنها أنها غريبة وغير طبيعية، ولأنها ترى نفسها في أسوأ أيامها مجنونة تماماً…
أخفت ناديا كل هذه المعاناة، وبنت لنفسها حياة يُقال بأنها “طبيعية”، حاولت خلالها أن تخبئ طبقات وطبقات من الإختلاف والمعاناة بسبب شعورها بالغربة اتجاه الآخرين واتجاه العالم.
وقد قام ناثان من خلال التعبير عن وجوده في العالم بطريقته الخاصة بإثارة الصراع بين خياراتها بقوة، وبإعادتها دون هوادة إلى ماضيها الذي لم تتقبله بعد.
طبعاً ناثان لا يقوم بذلك “عمداً”. ليس لديه نية بازعاج والدته. على العكس تماماً! فهو يتمنى لو أنها لا تغضب منه. هو يبذل جهداً، وفق ما يقوله لها دائماً. لكن على الرغم من ذلك، لا يجعل مجهوده أمه سعيدة.
لا ذنب لناثان بأي شيء. الأمر فقط أن شخصيته وتصرفاته توقظ جراح طفولة ناديا القديمة. ما يجعلها تشعر بالألم، بل بالكثير من الألم.
أول ما كان يجب على ناديا أن تعرفه هو أن كل هذه المعاناة التي تسحقها ليست ذنبها هي أيضاً.
شكوكها، تساؤلاتها، غضبها، انفعالها ، توترها بسبب طفلها؛ كل هذا طبيعي جداً.
كيف يمكن للأمر أن يكون مختلفاً، وقد ظنت في قرارة نفسها منذ صغرها أن عواطفها قوية جداً، وأنه يجب أن تأخذ على عاتقها عدم إظهار هذه العواطف، كي لا تحدِث مشاكل وتساؤلات. نظامها الداخلي مبرمج على خنق اختلافها، على التصرف بلطف، على الإبتسام وعلى أن تكون مفيدة.
وقد نجحت في ذلك لدرجة أن الناس غالباً ما يلجأون إليها لأنها تستمع إليهم وتظهر اهتماماً صادقاً بهم.
لكن ما الذي يحصل لكل عواطفها؟ فكل عاطفة أقوى من الأخرى. ماذا عن حاجاتها ورغباتها هي؟ لقد تم حجزها في قبو عالمها الداخلي، وتم وصد المخرج بقوة حتى لا تفيض أيٌ من تلك العواطف أو تتسلل خارجاً.ما هي النتيجة التي حصلت عليها؟ انفصالها عن ذاتها، عن رغباتها، عما تريده حقاً. بالإضافة إلى أحاسيس مرهقة ومتعبة لا تفارقها أبداً: شعور بالإختناق، آلام في المعدة، قلبٌ على وشك الانفجار، تصلبٌ في الرقبة. كما أصبحت تعاني من حالة اجترار مستمرة، حيث أنها تركز في التفكير بالمشكلة وأسبابها ونتائجها دون التفكير بالحلول.
تشعر أحياناُ أنها زومبي يتنقل بشكلٍ سريع بين مهمة واخرى دون الاستمتاع بالحياة.
باستنثناء الفترة التي تقوم فيها بملء القبو بكل ما هو متاح (ولتثقوا بي، العواطف هي طاقات تحتوي على قوة نادرة، يصعب ضغطها أو حبسها) .. فهي تفيض وتنتهي عاجلاً أم آجلاً إلى التسلل نحو الخارج.
وحينها تُصاب ناديا بالجنون، تبدأ بالصراخ على إبنها، تكره شريكها، تخرب كل خططها الجميلة. في هذه اللحظات التي تتسلل فيها العواطف المحتجزة وتفيض، يؤلمها جسدها وتُصاب بأمراض غير متوقعة وتشعر بالإرهاق وأنها قد استنفدت كل طاقتها.
لا بد من إخباركم أن صورتها لنفسها في هذا الوقت لا تكون في أفضل حال! مما يزيد حالتها سوءً ويزيد شعورها بأنها غير كافية، وحيدة، وبأنها لا شيء.
ناديا بحاجة إذاً إلى أن تعرف بأنها ليست مجنونة وأنها ليست أماً سيئة أو إمرأة سيئة.
إنها فقط تبذل قُصارى جهدها مع تاريخها والعناصر الداخلية المتوفرة لديها.
للبدء بالمصالحة مع نفسها، تحتاج ناديا أيضاً إلى الراحة لبعض اللحظات.
الأمر سهل، أليس كذلك؟
يبدو الأمر بسيطاً جداً وسطحياً. فمع ذلك، بنظرها هي إنها مهمة مستحيلة، أن تتوقف هنا وسط هذا الحد من ملايين المهام الموكلة إليها (فكي لا نشعر بأن القبو داخلنا بدأ يفيض، نحتاج إلى الكثير من الحركة والانشغال).
لكنها في النهاية تتمكن من ذلك.
بالطبع، حين تفكر بعمق، تود ناديا أن تحظى ببعض الوقت لنفسها، لكن في وضعها تجد في المحيط الكثير من الضجيج، تجد أن المكان ليس نظيفاً وطبيعياً بما يكفي، ولا ملهماً بما فيه الكفاية… فكل ما هو موجود في هذه اللحظة تماماً هو مثالي، فقط لأن الأمور تجري على هذا النحو.
يمكنها إذاَ إيقاف كل شيء، على الأقل لبضع لحظات، (فلنترك الدقائق لوقتٍ لاحق)، يمكنها أن تجلس وتضع كوب شاي وحاسوبها تاركةً إبنها يعيش حياته، لتكون متوفرة لنفسها بعض الشيء.
التوقف عن القيام بأي شيء. أن تجلس مع نفسها مع كل ما يختلجها: أحاسيسها، أفكارها وعواطفها.
فقط عبر اتباع عملية تنفسها (ِشهيق وزفير). والتركيز على المشاعر التي تظهر. مراقبةً الأفكار التي تراودها بتسلسل واحدة تلو الأخرى. أن تكون نفسها فقط لبعض اللحظات. أن تكون نفسها مع نفسها، دون تغيير أي شيء.
آآآآه! لم تقم بهذه الخطوة منذ زمن طويل، أن تتوقف لتكون نفسها فقط، وفقط لأجل نفسها.
قد يعجب ناديا الأمر أيضاً!
لكن قوة العادات، وانكارها لحاجاتها تسيطر بسهولة من جديد. لذلك، لتجنب أن تكون دون فائدة، وعاجزة عن الاعتناء بنفسها، يمكن لناديا أن تلجأ إلى سوار صغير صنعته بنفسها، أو صنعه شخص آخر، أو إلى خاتم لا ترتديه عادةً، أو إلى تنبيه أو إلى ملصق، أو إلى شيء مميز لا يعرف بوجوده أحد سواها، يستطيع إعادتها إلى نفسها بشكل يومي. شيءٌ يتيح لها التوقف عن كل شيء ووهب نفسها تلك اللحظات القليلة لاستقبال ما في داخلها.
يمكنها أن تبرمج وقتاً لهذه اللحظات عندما تستيقظ ويكون الجميع غارقين في نومهم، أو مباشرةً بعد أن تجعل ناثان يخلد إلى النوم بعد استيقاظه لعدد لا تذكره من المرات في الليل. أو ربما مساءً قبل أن تخلد إلى النوم، أو أثناء ذهابها إلى الحمام. التوقيت لا يهم، المهم ألا تخلف موعد لقائها بنفسها.
يبدو ذلك وكأنه قليل، أليس كذلك؟ ومع ذلك هو مهم وعظيم جداً.
في كل مرة تتجرأ فيها على الحصول على وقتٍ لنفسها فقط، كي تشعر بأنها موجودة فحسب، تقترب ناديا تدريجياً من نفسها. فهي أثناء القيام بذلك، تفتح طريقاً وترسم طريق عودة إلى طبيعتها المتخفية، االمقموعة والمحطمة. مع استقبال ما يظهر أو ما يفيض (سواء كان مريحاً أو غير مريح)، تقدم ناديا أخيراً لنفسها الحب والرعاية اللذان كانت تفتقدهما فيما مضى، وما زالت تفتقدهما اليوم أيضاُ.
الطريق الذي عليها اجتيازه طبعاً ليس سهلاً، ويحتاج إلى الوقت والالتزام مع الذات.
دماغها شديد الاجترار ويثير الشكوك، يخبرها دون توقف أن لا فائدة من القيام بمحاولات الفرار الداخلي هذه، معتبراً هذه اللحظات مضيعة للوقت، عدى عن أنها غير لطيفة، لا بل مخيفة.
لكن حين تعلم أن هذه الاستراتيجيات التخريبية سوف تحدث، ستتمكن من مشاهدتها تظهر داخلها بشكلٍ أسهل، لتتمكن بالتالي من استقبالها وتلقيها بشكلٍ أسهل أيضاً.
لأن هذا الجانب من الخوف والشك حاضرٌ لتوجيه رسالة: خطر! منطقة محظورة! خطر شديد!
للأسف لا يستطيع عقلنا فهم كل شيْ. فهو يرغب في استيعاب كل ما يدور، لكنه لا يتمكن من ذلك. لذلك يحاول أن يحمينا عبر إرسال إشارات تحذيرية من خلال الشكوك ومحاولات الردع.
فهو يعمل وفقاً للتجربة التي عشناها والجروح القديمة المفتوحة، مثقلاً بالعديد من الأهداف المفلترة والدوافع البعيدة عن احتياجاتنا الحقيقية، ظاناً أنه يقوم بحمايتنا بهذه الطريقة.
إلا أنه من خلال تركنا في هذا الجمود، يمنعنا عن التمكن من الاعتناء بأنفسنا أيضاً.
فعلى عكس العقل، يستطيع وجودنا الداخلي استيعاب كل شيء. ويستطيع إرشادنا إلى طريق العودة إلى المنزل. كما يستطيع أن يجعلنا نتقبل جراحنا ويشفيها، لمساعدتنا على إبراز أفضل مواهبنا.
لدى ناديا وكل النساء اللواتي عشنَ أو يعشنَ الآن تجربة مماثلة لتجربتها، هذه القدرة على العودة إلى الذات. فهي متوفرة لدينا بطبيعة الحال.
لا مفر من السير في هذا الطريق واجتيازه. ولا أحد يستطيع المشي فيه سوانا، إلا أن الإنجاز الأخير الذي سنحققه في نهاية الطريق كبير جداً: أن نجد أنفسنا في جمالنا وفي التعبير عن أفضل مواهبنا، التي ربما ما زالت مجهولة وغير متوقعة حتى الآن.
كما يقول لاو-تسو Lao-Tseu في كتابه Tao Te KingK “رحلة الألف ميل تبدأ دائماً بالخطوة الأولى”. وطريق الخروج من “المعاناة” موجود في المعبر.
أن نأخذ وقتاً للتواجد مع أنفسنا ولأنفسنا هي الخطوة الأولى.
فالحياة تدعونا للقيام بذلك، في كل لحظة، هنا والآن، الحياة تدعوكِ.
هل تسمعين نداءَها؟
وإذا أجريتن الاختبار، فسيسعدني قراءة ملاحظاتكن! لا تترددن في ترك تعليقكن أدناه.
اقرأوا الجزء الأول الطفل المختلف عن غيره ليس سوى مرآة لمعاناة أم أو أب ! قصة… لربما تشبه قصتكم!