كلفة أن تحشوا أطفالكم بالمعلومات:
دعم الطفل في عصر التساهل يعني تزويد الولد بكمية كبيرة من المعلومات. «الأكثر هو الأفضل». إذا كان الطفل قادراً على تعلم القراءة في السابعة من عمره فلِمَ لا نعلمه القراءة في سن الخامسة؟ وإذا كان بالإمكان أن يتعلم في الخامسة فلم لا نعلمه في السنة الثانية من عمره؟ وهكذا دواليك، حتى يكتشفوا أن الرضع يقدرون على تعلم القراءة وهم في مهدهم. أنا أتساءل: ترى لماذا قد يهتم الرضيع بالقراءة فيما لم يكتشف بعد جسمه أو العالم المحيط به؟
أنا أطرح هذا السؤال على أولئك الذين ينوون تعليم الرضّع القراءة: «ما المسألة؟ من الأكثر اهتماماً بتعلم الرضيع القراءة: الأهل أم الطفل؟ هل نعلِّم بشراً أم ندّرب قردة»؟ الأمر أشبه بأولئك الذي يعرضون آخر حيلة يقوم بها حيوانهم الأليف. أترانا نتباهى بذكاء أطفالنا غير المحدود؟ الذكاء الذي ورثوه عنا؟
من المؤلم أن ندرك أننا نفتقر إلى بعد النظر.وعلينا كبشر أن نفكر ملياً في بعض الأسئلة الأساسية: ماذا يعني أن نكون أهلاً؟ هل طفلي إنسان يستحق احتراماً عميقاً أم أنه ملكية أستثمرها وأضارب بها متى أعجبني ذلك؟ ما معنى أن أعلِّم طفلاً صغيراً يعيش تحت كنفي؟ ما هي حاجاته الأساسية وكيف يمكنني إشباعها؟
عندما نُتخم طفلنا بالمعلومات لنتمكن من التباهي بذكائه أمام العالم ولنعرضه كجائزة، نحن بذلك نجعل نموه وتطوره يفتقران إلى الاندماج. الطفل في هذه الأيام متخم بالمعلومات التي لا يعرف كيف ومتى يستخدمها. إنه مثقل بالمعرفة العديمة الجدوى التي تعيقه ولا تفيده.
ما إن تحشوا أطفالكم بالمعلومات: هذا ما يحدث
عندما كنت معلمة لمرحلة رياض الأطفال ناداني سامي ابن الأربع سنوات في الملعب صارخاً: «معلمتي، معلمتي! ساعدينا، لقد وقعت صوفي وفقدت ملايين خلايا الدم البيضاء والحمراء».
في الصباح التالي جاءني الصبي ذاته والدموع في عينيه وعندما سألته ما الخطب قال: «هل تعلمين كم من البشر يعانون ويموتون في جميع أنحاء العالم في هذه اللحظة؟»
حيّرني هذا الألم المرتسم على وجه هذا الطفل فاتصلت بأهله الذين أشاروا إلى أنهم بدل أن يقرؤوا له قصة قبل النوم، يقرؤون عليه الموسوعة لجعله أذكى! كما أخبروني أنه يجلس معهم وهم يشاهدون الأخبار المسائية. حتى نجعل أطفالنا أذكى، نخلق جيلاً من الأطفال غير المتوازنين.
الإفراط في المعرفة
يصبح الإفراط في المعرفة الذي لا يقابله نضج عاطفي موازن، سلاحاً خطراً في أياد بشر غير ناضجين. إننا بحاجة فقط إلى رؤية كيف يخطط وينفّذ الشباب الصغار القتل والاعتداءات في المدارس. فهم إنما يحاولون أن ينقلوا ما يتلقونه من معلومات مستقاة من أفلام العنف و ألعاب الفيديو، إلى حياتهم الواقعية، فيخلطون ما بين الواقع والألعاب.
إن الذكاء الخالي من دفء القلب، يجعل الطفل يتصرف بقسوة وبعدم رحمة. ولا شك أننا نتذكر ما تعرضه وسائل الإعلام عن جرائم القتل التي يرتكبها الأطفال بحق أطفال آخرين. والواقع أن أولئك الأولاد يحاولون تمثيل ما يرونه في أفلام الكرتون، مقلدين ما يرونه بدون أن يدركوا عاقبة أفعالهم التي هي أمثلة عن المعلومات الخاطئة التي يستخدمها شخص غير ناضج عاطفياً. ومن المُلام؟
عندما تكون تربية الطفل غير متوازنة، يصبح عصبياً، يقوده القلق، ويفتقر إلى القدرة على التركيز أي أنه يعاني من كل الاضطرابات الوبائية التي يبتلي بها تلاميذ هذه الأيام. يجب أن يترافق تدريب الطفل مع شيء من الدفء. الأمر أشبه بالنبتة التي تحتاج إلى أشعة الشمس حتى تنمو وتمد جذورها. وهكذا هو حال الطفل الذي يحتاج أن ينمو داخل شرنقة الدفء. إنه بحاجة إلى دفء بيئته ودفء التواصل الإنساني والتربية التي ينفذ منها دفء الموسيقى والمخيلة.
المقصود بتعليم الولد بدفء هو فتح قلبه بالأغاني والألعاب التي توقظ فيه المتعة وحب العيش. عندما نخبره قصصاً مفعمة بالصور، نساعده على تنمية مخيلته وعلى الاستمتاع بعالم يكون فيه كل شيء ممكناً. في عالم الخيال السحري هذا يستريح الطفل من اضطرابه الداخلي و يتعاطف مع الشخصيات المختلفة، واجداً الحلول للمشاكل.
لا إفراط ولا تفريط
على المعلومات التي يتلقاها الطفل أن تكون مرتبطة بحياته العاطفية، شرط أن تكون منطقية وذات معنى.
يسأل جو ابن التسع سنوات: «أمي، ما هو الجنس»؟ تجيب الأم بعصبية: «اسأل والدك عندما يعود». ها هو جو ينتظر أن يفتح أبوه الباب: «أبي ما هو الجنس؟». ينظر الأب إلى الأم بطرف عينه ولكنها تحاول الادعاء بأنها لم تسمع وتحاول أن تبدو مشغولة جداً.
أخذ الأب ابنه إلى الغرفة وأغلق الباب وبدأ الأب يشرح: «يا بني أنت تعرف أن كلبتنا شابا مختلفة عن كلب الجيران، برونو..»
بعد ساعة أخرج جو من حقيبته المدرسية ورقة مطبوعة وقال: «ولكن يا أبي كيف أدوِّن كل ما قلته في هذه المساحة الصغيرة من الورقة التي تقول «جنس»».
لقد أراد جو المساعدة ليجيب عن السؤال المطروح. لو تحدثت الأم معه لأدركت أن الإجابة بسيطة.
علينا أن نتواصل مع الحس أو التفكير السليم ومع حاجات الطفل من أجل أن نعرف متى نقدم المعلومات له ومقدار ما نقدمه من هذه المعلومات وفي أي عمر. عندما يسألنا سؤالاً ما فلنجبه بدون الإسهاب في الشرح ولنجبه بدون الإجابة عن السؤال بسؤال آخر. فلنتحقق بالضبط من الأمر الذي يهمّه ومن مصدره ، ولا ننس أن الطفل يعيش في عالم مختلف عن عالمنا. الواقع أننا عندما نعطيه معلومات كثيرة عن شيء يسأل عنه، فنحن نتخمه بها وينتهي به الأمر بأن يتشوّش أكثر فأكثر.وبما أنه غير مستعد بعد لتلقي هذا القدر من المعلومات، سيعاني من عسر هضم عاطفي.
موقع التربية الذكية يشكر لكم قراءة مفالة: “ما كلفة أن تحشوا أطفالكم بالمعلومات على صحتهم النفسية”