تأثير الخلافات الزوجية أو الانفصال:
حان وقت الرحيل، بدأ الطفل يبكي ويصرخ وكل ما فيه يرتجف، لا ندرك أهو غضبٌ أم خوفٌ أم ألمٌ متجذرٌ في أعماقه لا تكفي الكلمات للتعبير عنه. وليس على لسانه سوى عبارة واحدة “لا أريد الذهاب إلى أمي!”. فسألته جدته بهدوء “ما بِكَ صغيري، أخبرني لِمَ تبكي هكذا؟ إهدأ، نحن هنا بالقرب منك”.
ثم احتضنته وأخذته لمكان بعيدٍ عن الجميع وجلست تحدثه بهدوء: “ما الذي جعلك تقول هذا الكلام؟ أمك تحبك كثيراً”.. عادت ملامح التوتر تظهر على وجهه وتصرفاته وتكلّم بحدة كأنه اتخذ قراراً لا مجال للتراجع عنه : “لن أذهب إلى أمي!”.
وبعد حوارٍ طويل إختصر الطفل القصة كلّها بثلاث كلمات “أمي لا تريدني”.
ذُهِلَت الجدة وحاولت تفسير العكس له “أمك تحبك كثيراً، انفصال والديكَ لا يعني أنهما لا يحبانكَ، لِمَ تفكر بهذه الطريقة؟”فأجاب صارخاً كأن هناك جرحاً يضرب أعماقه كالصاعقة “لقد سمعتها! أتفهمين! سمعتها تقول لا أريده، سأعيده لوالده! أمي لا تريدني!”
بكت الجدة من مظهر الطفل الذي يرتجف كعصفورٍ تُرِكَ عاجزاً عن الطيران تحت عاصفة، عاجزاً عن الحراك، عاجزاً عن إحداث صوت، عاجزاً عن أي شيء سوى الشعور بالخوف والبرد والوحدة والألم. اكتفَت بحضنه بصمت، لم يعد هناك ما يقال.. انتهى كل الكلام.. لن يصلح الكلام شيئاً بعد ما كُسِرَ في قلب هذا الطفل..
صدى صوت الكلمات التي تتكرر في رأسه بعد أن سمعها من أمه، سيبقى إلى الأبد أعلى من أيّ صوت…
لا تدخلوا أطفالكم في صراعاتكم!
لسنا في صدد سرد مقالٍ تحليلي عن نسب الطلاق المتزايدة وأسبابه، ولا في صدد تحديد الطرف المذنب. دعونا نترك كل شيء جانباً ونتحدث عن هؤلاء الأطفال. حين قرر الوالدان أن يعيشا قصة حبٍ خيالية والارتباط أو ربما اختيار الزواج التقليدي، كان لهما كامل الحرية باتخاذ قرارهما دون استشارة أحد! وحين قررا إنجاب طفل، كان لهما كامل الحرية باتخاذ قرارهما دون استشارة أحد! وحين قررا الانفصال كان لهما كامل الحرية باتخاذ قرارهما دون استشارة أحد. فقد تصل العلاقة بين الزوجين إلى طريق مسدود، يكون فيه الطلاق الحل الوحيد.
لكن حين يتعلّق الأمر بمشاعر طفلٍ، يجد نفسه فجأةً مضطراً إلى التكيّف مع نتيجة قرارهما، والتأقلم في مكانٍ جديد وظروف جديدة ومشاعر جديدة. ويزيد الوالدان الأمر سوءً بإسقاط مشاكلهما ومشاعرهما ومآسيهما وخيباتهما كلها عليه! يحين وقت التوقف!
لا تدخلوا أطفالكم في صراعاتكم! لا دخل للصغار بحروب الكبار.. الطفل ليس سلاحاً نرميه أو نستخدمه كي نكسب معركة! والطفل ليس قطعة أثاثٍ نأخذها ونعيدها ونتخلّى عنها حين نشاء! الطفل ليس عبئاً يجب التخلص منه بعد أن انتهينا من نزواتنا وقررنا اختيار حياة أخرى لا تشبه حياتنا السابقة!
مهما كانت العلاقة بينكما سيئة، الطفل ليس سبباً ولا نتيجة ولا ذكرى سيئة لها علاقة بماضٍ بشع! اتركا خلافاتكما جانباً واتفقا فقط لأجله. اتفقا على طريقة تحاولان عبرها إعادة بناء الخراب الذي سببتماه داخله، وتعويض النقص الذي سيعاني منه طيلة حياته بعد انفصالكما! ومهما كانت الحرب بينكما محتدة، احرصا على ألا يُصابَ طفلكما بطلقة طائشة تسبب له نزيفاً أبدياً. الطفل ليس جزءً من تلك المعركة.
رجاءً جدوا له مكاناَ آمناً، بعيداً عن كل شيئ، يتمكّن فيه من محاولة احتضان نفسه واستيعاب التغيير الذي يحصل بهدوء.