إبحث عن السبب في ماضيك؛ حتى لو كان الجاني أحد الوالدين؛ واجه، إتّهم، إغضب.. ثم سامح..
كان يضرب زوجته حين ينفعل، ثم يبدأ بالاعتذار منها وطلب الغفران حين يهدأ. يخبرها أنه فعل ذلك دون قصد، وأنه لا يدرك سبب تصرّفه بهذا الشكل مع أنه يعرف أنه تصرّف لاإنساني ولاأخلاقي. لكنها كانت تعرف السبب. ذات يوم بعد أن احتدّ الجدال جلست بالقرب منه، وقالت له بهدوء، “أعلم ما تعانيه.. لكننا لن نتمكن من الاستمرار على هذا النحو، إبحث عن علاجكَ في ماضيك، ودعني أكمل حياتي بأمان”..
في هذه اللحظة تذكّر اللحظة التي وقف فيها على باب الغرفة محاولاً الدفاع عن والدته، فدفعه والده دون شفقة خارج الغرفة، وأغلق الباب عليهما وبدأ بضربها. تذكّر صوت أمه وصوت بكائه وصوت الحزام. تذكر كل شيء. كان يلوم نفسه حينها، كان يظن أنه السبب. لم يجرؤ حتى على اتهام والده. وها هو اليوم يكرر الماضي دون التمكن من السيطرة على نفسه.
رامي لم يسامح والده ولم يواجهه، حتى أنه ما زال يظن أنه سبب كل ما كان يحصل. فانعكس ذلك على حاضره ومستقبله ودمّر حياته بأسرها.
لهذا السبب يجب أن نواجه ماضينا، لهذا السبب يجب أن نواجه ونغضب ونتّهم، حتى لو كان الجاني هو الأب أو الأم. لهذا السبب يجب أن نسمع الطرف الآخر ونطلق العنان لما في داخلنا.. حتى نتمكن من مسامحة أنفسنا ومسامحتهم.
سامح والديكَ كي تبدأ بانطلاقة جديدة
“كل الأمور تنطلق من الطفولة”. بعض العوامل مثل التعليم والقيم المكتسبة تؤثر على مستقبل الطفل حين يصبح راشداً.. لكن أكثر العوامل المؤثرة هي دون شك الروابط العاطفية في السنوات الأولى التي تحدد سمات الشخصية لاحقاً وعلاقات الراشدين.
أبٌ غائب، أم مهملة لامبالية، قصور عاطفي أو عنف، من الصعب أحياناً الخروج من مرحلة الطفولة سالمين ومواجهة الحياة. للتغلب على جراح الطفولة والتحول إلى شخصٍ “راشد”، فإن المرور بمرحلة العفو والمسامحة إلزامية.
فيما يلي جميع الأسباب المهمة التي تدعو إلى مسامحة أهلنا، والمراحل التي يجب اتباعها.
قبل أن تسامح: إتهم والديك
هل من المقبول اتهام أهلنا والحكم عليهم؟ السؤال محيّر وشائك، لكن الجواب بسيط: نعم، من الممكن ذلك. من الطبيعي والمشروع إدراك تأثير الوالد أو الوالدة السام أو الجو، الذي كان يتسم بالعنف المنزلي، على مستقبلنا كراشدين.
يعتبر كل طفل والديه مثاليين بغض النظر عما عاشه في حياته الأسرية. حتى حين يتعرض لسوء المعاملة أو الرفض، فهو يشعر بالذنب وأنه هو المسؤول لا الضحية. عادةً ما يتمرّد الطفل في مرحلة المراهقة، ويقوم بتسوية حساباته قبل الانتقال بهدوء إلى مرحلة البلوغ.
لكن أحياناً تترك الصدمة آثاراً لا تُمحى. وفي هذه الحالة، من الطبيعي التعبير عن غضبنا، حتى نتمكن لاحقاً من المسامحة والمضي قدماً.
ما الذي نلوم أهلنا عليه؟
في “العتب أو اللوم” هناك نوع من محاولة التقرب من الآخر، ما يعني أن المرء هنا يحاول القيام بعملية إصلاح لا تفريق. فالضغينة وعدم البوح بما نفكر فيه يؤديان إلى خلق الكراهية وزيادة الانزعاج. بعيداً عن الحالات المرضية من ناحية سوء المعاملة والإيذاء الجسدي والنفسي، نحن غالباً ما نلوم أهلنا على الكثير أو البعض من الأمور التالية: عدم التوازن عاطفياً (خلل في العواطف)، الوقت الذي يخصصونه لنا، الاهتمام الممنوح لنا، التربية الصارمة جداً أو المتساهلة جداً، الحماية المفرطة أو التخلي… وأحياناً يكون اللوم على تفاصيل تافهة تصبح لاحقاً مصدر سوء فهم ومعاناة شديدة كالتالي: تفضيل أحد الإخوة (التمييز بين الإخوة)، نسيان عيد ميلاد.
في مرحلة البلوغ، تظهر جراح الطفولة هذه على عدة أشكال (صعوبات على صعيد العلاقات، صعوبات في العمل، صعوبات مع أطفالنا…)
الغياب: مهما كان السبب: طلاق، انفصال، أو عدم اهتمام، يترك غياب الأهل في ذاتنا الخوف من أن يتخلى عنا أو يهجرنا الطرف الآخر، والخوف من الالتزام، والتملك.
العنف: سواء كان العنف نفسياً أو جسدياً، سيخلق هذا العنف شخصاً بالغاً حذراً، يفتقر إلى الثقة في نفسه وفي من حَوله.
اللامبالاة: نقص العاطفة والإفتقار إلى تعاطف أحد الوالدين، يولّد شخصاً بالغاً متباعداً عن المحيطين به، عاجزاً عن التعبير عن مشاعره واحتياجاته أو عواطفه خوفاً من أن يتأذى أو يكون عرضةً للخطر.
الحماية المفرطة أو الإهمال: هاتان الحالتان المتعارضتان من حيث المظهر تجعل منا أشخاصاً بالغين يعتمدون على الآخر عاجزين عن تحقيق الاستقلالية (إجتماعياً ونفسياُ).
التطلب الزائد: الوالد (أو الوالدة) المتطلب أو غير الراضي يخلق توتراً وضغوطاً لدى الطفل ولدى الراشد لاحقاً، ما يدفعه دائماً إلى إرهاق نفسه لتقديم المزيد والأفضل دون أن يشعر أبداً بالرضا.
ترقبوا الجزء الثاني من المقال عبر موقع التربية الذكية.