تعرفتم في الجزء الأول من المقال على قصة الرجل الذي كان يضرب زوجته ويندم، ثم اكتشف بعد أن تركته أنها ردة فعلٍ على ما عاناه في طفولته. لهذا من الضروري جداً أن تسامح والديك مهما كان جرح الطفولة كبيراً. كيف ذلك؟ وما الوسيلة لمواجهة أمرٍ بهذه الصعوبة؟ تابعوا قراءة المقال وسنرشدكم إلى الحل.
أن تسامح والديك هي عبارة عن:
إدراك أنهما غير كاملين، وأنهما كباقي البشر عرضةً للخطأ. هذا بحد ذاته تعريف النضوج. هذه الخطوة مهمة جداً، خاصةً إذا كنا نخطط لتأسيس أسرة، كما أنها تمنع تكرار نفس المشاكل مع أزواجنا أو أطفالنا. نحن نصبح ناضجين فعلاً حين نسامح والدينا على أخطائهما وعيوبهما.
أن نتصالح مع أنفسنا، لأن والدينا يشكلان جزءاً منا لا يمكن التخلص منه بأي شكل، حتى لو وضعنا مسافةً بيننا وبينهما.
العثور على الهدوء والسلام الداخلي، لأن مَن يسامح يتوصل إلى ذلك ويتمكّن أخيراً من المضي قدماً في حياته.
كسر الحلقات المفرغة: عندما ندرك أن المواقف السلبية التي نتخذها مراراً وتكراراً، هي نتيجة لسلوك عانينا منه، سنتمكن من التصرف بشكلٍ مختلف.
المسامحة هي أيضاً إدراك كل ما كان إيجابياً وجيداً، لأن الأهل يرتكبون الأخطاء، لكن يقدّمون غالبية الأحيان أفضل ما لديهم لأطفالهم. لقد كان هدفهم القيام بأمرٍ جيد، وقد فعلوا كل ما كان بوسعهم القيام به.
التمكن من السيطرة على حياتنا: تكرار الماضي لا يساعد على التقدم، بل على العكس، نجد أنفسنا نكرر تصرفات وأنماطاً سبق أن عانينا منها. المسامحة تسمح بتحويل المعاناة إلى محرك إيجابي يعطي دفعاً للانتقال من “رد الفعل” إلى “الفعل”.
التعلم من ماضينا: المسامحة تتيح لنا التعلم من أهلنا والأجيال التي سبقتهم، دون مقاطعة وتجاهل تاريخ العائلة، لأنه من الصعب “إدراك إلى أين نحن ذاهبون، إذا كنا لا نعرف من أين آتينا”.
الخروج من دور الضحية: التعبير عن الأسف يساعد في إعادة السيطرة على العلاقة والتخلص من موقع الضحية.
مراحل أو خطوات المسامحة
للقيام بهذه الرحلة الشخصية، يجب المرور بعدة مراحل:
1- أولاً، التعرف على نفسك كضحية: هذه المرحلة مهمة لأن معرفة أن أهلنا كانوا على خطأ أمرٌ من الصعب تقبله. هذا يؤدي أيضاً إلى المرور بشعور الضغينة و”الكره” اتجاه أهلنا. حين نعلم أننا ضحايا نتوقف عن الشعور بالذنب اتجاه استيائنا من أهلنا.
2- التعبير عن غضبنا اتجاه أهلنا. الخطوة الأولى للمسامحة هي التعرف على الجرح ومصدر الألم، وتحديد الشخص المذنب أو الجاني: الأم أو الأب. إنها خطوة صعبة، لأن بعض الأشخاص لا يستطيعون مواجهة أهلهم.
3- اختيار التوقيت الأكثر ملاءمةً بالنسبة لنا: لا نقصد هنا القيام بتحديد موعد، إنما الشعور بالحاجة والاستجابة لها. إن فعل المسامحة هو فعال وحقيقي عندما لا نتوقع من الطرف الآخر شيئاً؛ لا مواساة ولا أعذار.
4- التعبير عن الصفح وتقبل الأعذار: هذه اللحظة مهمة لكلا الطرفين، فهي تعلن انتهاء الصراع والتحضر للتعويض.
5- إعادة بناء رابط صحي ومتوازن، خالٍ من الغضب والمعاناة والمشاعر المخفية في ذواتنا التي لم نعبر عنها.
لا تظهر نتائج المسامحة الإيجابية فوراً. بل ستشعرون شيئاً فشيئاً أن الأفكار التي تتملككم، والمشاعر السلبية التي تختلجكم، لم تعد تؤثر على أفعالكم وردود أفعالكم. ستنتهون من العيش ضد “أهلكم”، وستبدأون بالعيش لأجل “أنفسكم”.
المسامحة هي فعل قيّم جداً، يملأ الفراغ العاطفي الذي يخلفه الغضب. ستدخلون في ديناميكية إعادة بناء حيث ستتم إعادة استثمار طاقاتكم في مشاريع جديدة وفي علاقة جديدة أو في تحسين علاقات قديمة.
هذا المقال تابع لجزء آخر بعنوان: حتى لو كان الجاني أحد الوالدين؛ واجه، إتّهم، إغضب.. ثم سامح. يمكنكم قراءته عبر موقع التربية الذكية.