الفوضى ليست إبداعاً
عندما بلغتُ سن المراهقة، كانت تطلب مني ترتيب غرفتي. كنتُ أجيبها ممازحةً “الفوضى تولّد الإبداع”، وأتجاهل طلبها وأكمل يومي بشكلٍ عادي، وكانت تستاء وتغضب دون أن أكترث لمشاعرها. الآن أدركتُ أن الفوضى لا تولّد الإبداع. لا بل تولّد الجراثيم والضياع والتأخر على مواعيد العمل. فليس من الإبداع أن يمسك طفلي الذي لم يتم السنة من عمره الورقة التي أوقعتها على الأرض وتركتها أثناء انشغالي بأمور أخرى في فمه. وليس من الإبداع أن تصدر رائحة كريهة من الملابس التي وضعتُها في الغسالة لأنني نسيتُها لمدة ثلاث ساعات. وليس من الإبداع أن أضيع فردة حذائي وأضطر إلى تغيير ملابسي كلها والتأخر على موعد العمل.
أعترف أمي، لقد كنتِ على حق.
توقفي عن الإنسياق خلف مشاعركِ..
لم أتعلّم حين خذلتني أول صديقة لي في المدرسة، ولا حين استغلّتني الثانية لحل واجباتها ومساعدتها في مشروع التخرج في الجامعة، ثم تخلّت عني بعد أن أنهيناه. لا بل بقيتُ أعاندها وأصف نصائحها ب”المبالغ بها” وأعتبر أنها ترى الأمور من منظار تشاؤمي، إلى أن أحببتُ. أحببتُ شخصاً بشكلٍ جنوني، كان يهتم بي كثيراً، يخافُ علَي، يرافقني إلى الجامعة وإلى الدورات التدريبية وينتظرني كي يقلّني إلى المنزل.. طيعاً كل ذلك بعلم والدتي. كان صديقاً للعائلة، وشخصاً لطيفاً جداً، يتّسم بالوسامة والرقي. لاحظت أمي بسرعة كبيرة أنني بدأتُ أتعلّق به، ربما تنبأت بذلك قبل أن يحصل حتى. حاولت مراراً تحذيري من الإنسياق خلف مشاعري دون أن أكترث. إلى أن عرّفني على حبيبته وأخبرها بأنني “أخته الصغرى”.
أعترف أمي، لقد كنتِ على حق.
تروي في اتخاذ القرارات
كنتُ متهورة جداً كوالدي، أحب بسرعة وأكره بسرعة… وأتخذ القرارات بسرعة. كانت أمي تنصحني دائماً بالتروي والتفكير جيداً قبل اتخاذ أي قرار. لم أكن أستجب لنصيحتها.. قدّمتُ امتحان دخول في جامعتين، جامعة التربية والتعليم، وجامعة الإعلام والصحافة.. نجحتُ في الإمتحانين، وظلّت أمي تنصحني بجامعة التربية والتعليم، بحجة أن هذا الإختصاص أنسب لمستقبلي. بحيث أستطيع العودة إلى منزلي باكراً والإهتمام بأسرتي التي لم أكوّنها بعد. لم أكن أستطيع حينها رؤية الأمور بعينيها المليئتين بالحكمة. كنتُ أراها بعيني فتاة مراهقة مندفعة متهورة.. اخترتُ الصحافة. الآن أتذكّر كلمات أمي كل يوم، بعد عودتي إلى المنزل في الساعة السادسة مساءً، وأنظر إلى أطفالي الذين ينتظرونني كي نقضي بعض الدقائق معاً، قبل الخلود إلى النوم.
أعترف أمي، لقد كنتِ على حق.
لا تتنازلي
كانت دائماً تنصحني ألا أتنازل عن حقي، عن راحتي، عن مشاعري لأحد.. لم أكترث! تنازلتُ لأصدقائي فخذلوني. تنازلتُ في العمل فتحوّلت حياتي إلى عمل مستمر بمقابل لا يضاهي جزءً بسيطاً من جهودي. وتنازلتُ في العلاقة الزوجية، وها أنا الام والأب والصديقة والحبيبة والخادمة التي تنظف المنزل، دون أدنى كلمة تقدير أو شكر. أدركتُ اليوم أننا كلما جعلنا الطرف الآخر يشعر أننا بخير رغم الألم والتعب، كلما تعامل معنا أكثر على أننا بخير، وزاد على حملنا حمولاً. أعترف أمي، لقد كنتِ على حق.