خلاف الأهل
ليس من السهل أن نسيطر على تصرفاتنا وكلماتنا حين يبدأ الجدال مع شريك حياتنا حول أي أمرٍ كان. لكن سواء كان الأمر يتعلق بالمشاكل المادية أو مشاكل في العلاقة أو في تربية الأطفال، لا يجب أن يؤثر ذلك على الأطفال.
احتدّ الجدال بعض الشيء، كنا نتحدث عن بعض الشؤون المالية وتولي المسؤوليات. لا يهم، ما يهم فعلاً كان ردة فعل ابنتي. فقد ارتفعت الأصوات، والكارثة تبدأ حين يتنافس الشريكان مَن يستطيع التجريح أكثر، ومَن يستطيع السيطرة على الحديث وإثبات رأيه أكثر، وتختفي كل المشاعر التي يكنها كل طرف للطرف الآخر في لحظات الغضب. تلك اللحظات التي تدمر كل شيء. تلك اللحظات التي لو استطعنا السيطرة خلالها على كلماتنا وتصرفاتنا في كل علاقاتنا الإجتماعية، لانتهت معظم المشاكل.
كانت ابنتي ذات الأربع سنوات تسمع كل شيء. وهذا كان أكبر خطأ. لاحظت لاحقاً أنها كانت تطلب طلبات سخيفة محاولةً أن تجعلنا ننشغل عن بعضنا. ثم حاولت أن تغني لي أغنية تعلمتها في المدرسة علّي أهدأ. لكنني مع الأسف لم أتمكن من السيطرة على الأمر، طلبتُ منها أن تؤجل الأمر قليلاً والدخول للعب في غرفتها. كم كنتُ أماً سيئة في تلك اللحظة! لم أفهم أصلاً أنها تحاول تهدئة الوضع، لم أكن أنتبه لوجودها من الأساس، وهذا ما يحصل في معظم الخلافات الزوجية، يكون تركيزنا الكامل على تفاصيل الجدال ولا ننتبه لوجود أطفالنا!
إلى أن وقفت أمامي، وصرخت في والدها “بابا ماما لي، لا تصرخ هكذا أمام ماما”. صمتنا لبضع دقائق بدت كالدهر ونظرنا إلى بعضنا، وأدركنا أنه يجب التوقف الآن وفوراً! كأننا كنا في حلم أو فعلياً كابوس، واستيقظنا. إنه الشر حين يسيطر على أفكارنا فنصبح كالعميان والصم، ليس فينا سوى لسانٍ ينطق بما لو كنا في كامل وعينا لما نطقناه.
يا له من موقف، طفلةٌ صغيرة اضطرت للوقوف بين والديها لانهاء جدالٍ يحصل بينهما. يا لنا من أهلٍ فاشلين!
أخذتُها إلى غرفة أخرى. بذلتُ مجهوداً كبيراً كي أرتب أفكاري ومشاعري وأهدأ. كان لا بد من ذلك، فمهما حصل، طفلتي هي الأولوية. جلسنا معاً وبدأنا التحدث:
- حبيبتي أحياناً نتحدث أنا وأنتِ ويرتفع صوتنا قليلاً حين لا نتفق أليس كذلك؟
أجابت : نعم - لكن هذا لا يعني أننا لا نحب بعضنا كثيراً، صحيح؟
أومأت برأسها. - حسناً إذاً لا تخافي، ماما وبابا يحبان بعضهما كثيراً، لكننا غضبنا قليلاً.
- لكن صوتكما كان مرتفعاً جداً، حتى أنكِ لم تسمعي أغنيتي.
- أعلم عزيزتي، أنا آسفة. هذا تصرف خاطئ. اعدكِ في المرة المقبلة أن نحاول عدم الصراخ. والآن أود سماع أغنية طفلتي الجميلة الرائعة.
ابتسمت وبدأت تغني…
كنتُ أفكر أن أطلب منها الاعتذار من والدها.. ولكن تصرفها كان عفوياُ، إنها طفلة. نحن مَن علينا أن نعتذر منها لأننا وضعناها في موقفٍ مماثل.
انتهت المشكلة. هدأت الأمور. عاد كل شيء إلى وضعه الطبيعي. فجلست مع زوجي واتفقنا على ثلاثة أمور. الأول أن نحاول أن نحل خلافاتنا بمنأى عن الأطفال مهما حصل. والثاني ألا نتكلم ونحن غاضبون، وأن ننشغل بأي أمرٍ حتى نهدأ ثم نتحدث لاحقاً. والثالث أن يخرج الشخص الغاضب من الغرفة أو المنزل إذا اقتضى الأمر حتى يهدأ.
مهما كانت حدة الخلاف، ومهما كان الموضوع مهماً، لا ذنب للأطفال أن يسمعوا ما لا نود أن نتذكره نحن أساساً بعد انتهاء الحدبث. فحين يغضب الإنسان يتفوّه بأقسى الكلمات.