ابني لا يجيد القراءة:
ما إن جلست لأحتسي أول كوب قهوة في يومي الطويل حتى وصلني بريد الكتروني. إنها مجموعة الكشافة التي انضمّ إليها ابني، فتوقّعت بالتالي دعوة لإعداد شيء ما.
لكني قرأت التالي بدلاً من ذلك: “يوم الخميس القادم، سنجتمع حول نار المخيم! أحضروا سكاكينكم!”
ابني في السابعة من عمره وهو لم ينضم إلى عصابة بالتأكيد: لكننا نعيش في بلاد الفايكينغ أيّ في دولة اسكندنافية انتقلنا إليها منذ بضع سنوات.
انتقلنا إلى إحدى دول شمال أوروبا قبل أن أرزق بأولاد، وقد تفاجأت بالطريقة المعتمدة هناك. أما الآن، وبعد أن رُزقت بثلاثة أولاد، فاتبعت طريقتهم.
يملك ابني البالغ من العمر سبع سنوات عدّة كاملة، من مطرقة ومنشار ومفكات براغي (برأس مسطّح وصليبي الشكل). وهو بالكاد يعرف كيف يقرأ ويكتب، فالاسكندنافيون لا يأبهون بالتعلّم من الكتب قبل عمر ثماني سنوات، لكنه يعرف كيف يبني مركباً وكيف يشعل ناراً في المخيم.
ويتردد التوأم اللذان لم يبلغا بعد سن الالتحاق بالمدرسة على مؤسسة مخيفة تُعرف باسم “الكشّاف العائلي”، حيث تشاهدون أطفالاً في سن مبكرة ينحتون ويستخدمون الفؤوس ويلعبون بأعواد الثقاب.
وفي أحد هذه الاجتماعات، سمعت للمرة الأولى الجملة الشهيرة الجارية بين العائلات:
يمكنك أن تحصل على منشار عندما تبلغ الرابعة من عمرك!
والطفل المعني بهذا الحديث كان في الثانية من عمره.
في أيّ حضانة تقليدية، يقوم الأولاد برحلات في الطبيعة سيراً على الأقدام لمسافة 5كلم ويلعبون في الخارج سواء أكان الثلج يتساقط أم المطر.
ويعودون إلى المنزل مع جروح وخدوش وكدمات في الجسم وحول العينين (نادراً جداً).
لكن هذا لا يزعجني. بعد أعوام من الأبحاث حول السعادة والحزن، تعلمت أنّ السماح للأولاد بأن يختبروا المجازفة وعدم الراحة في الطبيعة ضروري كي نساعدهم على البقاء وعلى التفتّح في العالم الحديث.
نعلم جميعاً أنّ تمضية بعض الوقت في الطبيعة مفيد لنا، لكن الدراسات تبيّن الآن أنّ من شأن هذا أن يجعلنا أكثر قدرة على التكيّف.
قد نقع أو نجرح أو أن نتعرض للسعة نباتات القرّاص. كما يمكن للمطر أن يتساقط وأن نشعر بالبرد. وعلينا أن نتحمّل العديد من مصادر الازعاج الأخرى.
لكن هذه الأشياء تجعلنا أقوى. فالخروج وتمضية الوقت في الطبيعة يساعدان على تعزيز صحتنا العقلية وتقويتها في مواجهة المشاكل الكبرى. واكتشف باحثون من جامعة آرهوس في الدانمرك أنّ الأولاد الذين يقضون وقتاً أطول في اللعب في الخارج، في مساحات خضراء، هم أقل عرضة للإصابة باضطرابات نفسية عند بلوغهم سن الرشد.
ودرس باحثان نرويجيان متخصصان في اللعب، هما الين ساندستر وليف كينير، اللعب الخطر للأولاد من منظور تطوّري واكتشفا أنه يساعدهم في توسيع قدرتهم على التأقلم بشكل تدريجي، ما يسمح لهم بمواجهة التحديات الأهم والأصعب.
ويؤكد تحليل البحث حول الضغط النفسي الذي نشر في العام 2013 أنّ “التعرّض للضغط النفسي” هو شكل من أشكال المناعة ضد العوامل اللاحقة التي تسبب الضغط النفسي، تماماً كما تحمينا اللقاحات من الأمراض.
وإذا لم نسمح للأولاد باكتساب مناعة ضد هذا النوع من الضغط النفسي، فسنراكم المشاكل ونخزّنها إلى وقت لاحق.