الطرق السهلة في التربية:
“لا يجب أن يتدخل الأطفال فيما لا يعنيهم” “أتتحدثين مع ابنتكِ وتجادلينها؟ يجب أن تتعلم أن تنفذ دون اعتراض” “لِمَ لم تضربيها؟ كان من المفترض أن تعاقبيها بدلاً من أن تضيّعي وقتكِ في التحدث معها”…
حين أسمع كلماتهم لا أجادل كثيراً، فهي قناعات مترسخة في عقولهم منذ عقود، أفكارٌ تم توارثها من جيل إلى جيل لا يمكن محوها بمجرد كلمات. لكنني أنظر إلى ابنتي ذات الأربع سنوات وأبتسم، هذه الطفلة الصغيرة التي تحب الناس وتحب الحياة ولا تخاف من خوض التجارب، والتي تمتلك شخصية قوية وتتحدث بتهذيب ولكن دون خجل مع الناس، تتعاطف مع الجميع لكنها تعلم أن انتقاد الآخرين لها لا ينتقص من شخصيتها ومن ذكائها ومن قدراتها. فوالدتها ووالدها يغرقانها بقدرٍ كافٍ من الحب والاهتمام والتفهم مما جعل ثقتها بنفسها أكبر من أن تهتز لأي سبب مثل أن أصدقاءها سخروا منها أو أحد الراشدين أحب أن يخبرها بأنها ليست جميلة كي يرى كيف ستكون ردة فعلها..
نعم أتحدث إلى إبنتي وأتيح لها فرصة لإبداء رأيها، والنتيجة سأحدثكم عنها عبر بعض المواقف التي تكفي لإيصال الفكرة من هذا الأسلوب التربوي:
الموقف الأول:
- منذ بضعة أيام كنتُ أشعر بالغضب لأن طفلتي ذات السنة ونصف ترمي الطعام أرضاً. رأتني أميرتي أنظف المكان وأنا غاضبة، فاقتربت مني وقالت “أمي لا تغضبي، أنا هنا سأساعدكِ، أختي نايا صغيرة، لا تصرخي عليها، يجب أن نحبها، أحبيها ماما كما أحبها، أنا سأعلمها كيف تكون فتاةً جيدة”…
- هذا الموقف كان نتيجة حديثي معها حين كنتُ أخبرها أنها يجب أن تحب أختها وأن أختها ما زالت صغيرة، وعلينا أن نعلمها كيف تتصرف بحبٍ ولطف. كان بإمكاني حينها أن أصرخ وأنفعل وأضربها وأعاقبها.. لكن تلك الطريقة كانت ستزيد من غضبها وغيرتها.
الموقف الثاني:
- كنتُ أنظف الملابس المتسخة قبل وضعها في الغسالة، وصرختُ بانفعال “كل ملابسكم متسخة، لِمَ تلطخونها بكل أنواع الطعام بهذا الشكل.. ماذا أفعل الآن؟”.. سمعتني أميرتي واقتربت مني وأمسكت بيدي طالبةً معي أن آتي معها ودلّت بيدها الصغيرة على خزانة أختها الصغرى قائلةً “لا تحزني ماما، نايا لديها ملابس أخرى هنا في الخزانة، أنظري”.
- إنها طريقتي حين تفشل أميرتي في تجربةٍ ما وتشعر بالخيبة والغضب، فأطلب منها التفكير بإيجابية وأرشدها إلى حلٍ بديل ونعثر على الحل معاً. أتقنها مع أطفالي، لكنني لا أعرف كيف أتقنها مع نفسي حين أغضب. ها هي طفلتي الصغيرة تعلمني كيف أفكر بإيجابية. ذاك اليوم قبلتها كثيراً، كأنني أغمر معجزةً صغيرةً بين يدي.
الموقف الثالث:
- سمعتُها تحدث إبنة خالها التي تبلغ أربع سنواتٍ أيضاً وتشرح لها أن الوحش ليس مخيفاً، وتغمرها وتطمئنها.
- كيف تعلمَت هذا؟ ذات مساء استيقظت خائفةً، وأخبرتني أنها رأت وحشاً وهي نائمة. كنتُ قد قرأت أن بإمكاننا اللعب على تغيير صورة الوحش في مخيلة الطفل كي يتخلص من خوفه. بدأتُ أخبرها أنه لطيف ويبتسم ويحب الأطفال، وشاهدنا معاً مشهداً من فيلم كارتوني حول وحش يحب الأطفال ويلعب معهم.
كان بإمكاني طبعاً أن أقول لها إن هذه تخاريف، وإنها أصبحت كبيرة ولا يجب أن تخاف، وأطلب منها الخلود إلى النوم مجدداً دون أن نتحدث. وما كانت لتخبرني عن مخاوفها مجدداً كي لا أستخف بها. لكنها بالطريقة التي استخدمتُها تعلمت كيف تتعاطف مع الآخرين وتصغي إليهم ولا تستخف بمشاعرهم، واقتنعت فعلاً أن الوحش ليس مخيفاً.
ما أريد أن أوصله أن الطريقة الأسهل ليست الطريقة الأصح. بإمكاننا جميعاً أن نقمع أطفالنا ونجبرهم على تنفيذ الأوامر دون جدال، وإكمال أحاديثنا الصباحية مع الجيران غير مكترثين بأحاديث ومشاعر أطفالنا. وبالطبع صورتنا أمامهم ستكون مميزة كأهل صارمين وسيمدحون أطفالنا على تهذيبهم. لكن هل هذا ما نريده حقاً؟ أطفالاً ينفذون الأوامر كالرجال الآليين؟
نعم أترك كل شيء حين تسألني إبنتي سؤالاً كي أجيبها، نعم نتحدث معاً حول أتفه تفاصيلها اليومية، نعم أسمح لها بإبداء رأيها حين تريد. نعم، هي صديقتي الصغيرة، ومهما كثر النقد لن أبالي. أن نتعب كأمهات وكآباء ونعاني قليلاً في التربية، خيرٌ من أن يعاني أطفالنا كثيراً في المستقبل.
سماح خليفة