كنا نتناقش أنا وزوجي حول أسس التربية السليمة، وحول ضرورة التخفيف من حدة انفعاله مع الأطفال كي لا تخلق هذه الطريقة نوعاً من الخوف والتردد في نفوسهم.
برأيه كما برأي شريحة كبيرة في مجتمعنا، يجب أن يفرض الوالدان سلطتهما كي لا يصبح الأطفال مدللين وعديمي الجدوى. وأهم ما كان يركز عليه “لِمَ يجب أن تجادل ابنتنا وتناقش في كل شيء، نحن نتأخر في الخروج من المنزل والعودة والكثير من الأمور فقط كي نحاول إقناعها بوجهة نظرنا. لا يجب أن تتم مناقشة وجهة نظر الأهل. كلام الأهل يجب أن يُنفَذ فوراً”.
أما عن رأيي فكنتُ أشدد على ضرورة فتح مجال للطفل للتعبير عن رأيه وأفكاره، كي ننمي حس المبادرة والإبداع لديه.
موقفٌ وحل
شعرنا أن الصمت يعم المكان. خَفَت صوت الأطفال فجأةً، بالتأكيد هناك جريمةٌ ما تحدث في إحدى زوايا هذا المنزل. توجّهنا نحو غرفة الجلوس لنجد أن ابنتي ذات الأربع سنوات تمسح الأرض بالمناديل العطرية. نظرتُ فوراً إليهِ قبل أن يبدأ بالصراخ وطلبتُ منه التروي.
توجهتُ نحوها لأجد ملابسها غارقة بالعصير، تمالكتُ نفسي وسألتُها بهدوء:
- أميرتي هل يمكنكِ إخباري ما الذي تفعلينه؟
- ماما أختي نايا أوقعت العصير وأنا انظف المكان.
- حسناً ولِمَ لم تناديني؟
- لقد قلتِ إنكِ متعبة اليوم صباحاً، وأنا أريد أن أساعدكِ.
- أمسكت بيدي، وقالت لي “إجلسي ماما، لا تقلقي، أنا سأنظف كل شيء”.
نظرتُ إلى زوجي ورأيتُ ملامحه تتغير وابتسامةً صغيرةً ترتسم على وجهه.
ثم قلتُ لها “عزيزتي سأعلمكِ كيف ننظف بالممسحة معاً، المناديل العطرية كلها لن تكفي لتنظيف الأرض”..
طبعاً ذلك بعد أن غمرتُها وقبلتُها كثيراً، إبنتي الصغيرة تكبر وتتعاطف مع الآخرين وتحاول المساعدة.
ما الجدوى لو كنا بدأنا بالصراخ “لقد وسختِ المكان، أنتِ فتاة فوضوية، أنتِ تخربين كل شيء!”
كانت ستبدأ بالبكاء ولم نكن لنعرف ما الذي حصل أو ما الذي تفكر فيه أساساً. والأهم من ذلك كله، كانت ستتوقف بعد هذا الموقف عن المبادرة ربما إلى الأبد.
تنمية مهارات حل المشاكل
البعض ينتقدني على اعتبار أنني أبالغ في طريقتي في تربية أطفالي، وأنني اتيح لهم المجال للتعبير أكثر من اللازم. حسناً ماذا لو أخبرتكم أنني أطلب رأي ابنتي الصغيرة هذه حين أواجه مشكلة؟
طبعاً ليس لأنني أعجز عن إيجاد حلول. بل لأساعدها على تكوين شخصية مستقلة وأنمي مهاراتها في التحليل وثقتها بنفسها. وها هي بدأت تتعلم إيجاد حلول لمشاكلها الصغيرة بنفسها. كيف ذلك؟
قبل أن أعطيها الحل، أسألها بهدوء “هل فكرتِ بحل لهذه المشكلة؟ أميرتي الصغيرة ذكية جداً. أنا أثق بأنكِ ستجدين حلاً”. وفي كل مرة كانت تجد السبيل لحل مشاكلها الصغيرة.
أما عن مشاكلي، فأختار مشكلة من الممكن أن تستطيع إيجاد حلٍ لها، وأطلب منها أن تشاركني أفكارها. على سبيل المثال “يا إلهي! لقد أوقعت أختك الطعام على الأرض؟ ما الذي علي فعله الآن؟ هل يمكنك أن تساعديني في إيجاد حال”. فتبادر بالقول “لا تغضبي أمي، سنجد حلاً. أولاً يجب أن ننظف الأرض، ثم ننظف ملابس نايا. لا تقلقي ماما سأساعدكِ”.
مَن يسمع طريقتها أثناء التحدث يدرك أن هذه الفتاة تمتلك كماً هائلاً من الذكاء. ودعوني أخبركم أمراً، أطفالكم جميعاً أذكياء، فقط أتيحوا لهم بعض المجال والثقة والأمان كي يعبروا عن أفكارهم في جوٍ هادئٍ وبيئة متفاعلة. وحتماً سيبهرونكم.
سماح خليفة