الأم المثالية:
ينتقدونني دائماً الفوضى التي تعم منزلي وحياتي وانعزالي إجتماعياً عن الناس، فيما تحزنني الفوضى التي تسكن أعماق أطفالهم.
نعم، قد أترك الأطباق في حوض غسيل الأطباق لليوم التالي، إن لم أتمكن من تنظيفها لأن ابنتي أصرت أن تنام في حضن والدتها وغفونا معاً.
نعم، قد أترك مهمة توضيب الملابس التي جمعتها عن منشر الغسيل لليوم التالي، إن كانت تشغلني الكثير من المهمات التي تتعلق بأطفالي إلى اليوم التالي.
وقد أؤجل الكثير من المواعيد إن كانت إبنتي تحتاج إلي أو تشعر بالاستياء.
ونعم، قد أستأذن من إحدى الضيوف وأقاطع محادثتنا إن أرادت ابنتي أن تسألني سؤالاً حتى لو كان بنظرنا نحن الكبار تافهاً، هو بنظرها مهم.
لا يوجد منزلٌ مثالي. لكنني حددتُ أولوياتي. وقررتُ أن أضع أطفالي في أعلى القائمة.
زوايا منازلهم المرتبة المنمقة المثالية لا تعنيني. يعنيني ذاك الحزن في عيون أطفالهم. انشغالهم بالكماليات واهتمامهم الزائد بكل التفاصيل وتلك الأعمال المنزلية التي لا تنتهي حتى تفنى الحياة، كلها أمور تجعلهم ينسون شيئاً مهماً في ثنايا أيامهم التي تمر سريعاً.. ينسون أطفالهم.
أولوياتها نظافة منزلها
أخبرتني صديقتي أنها أزالت كل الألعاب من منزلها، لأنها ملت من الفوضى التي تعم المكان، قائلةً بابتهاج “أرأيتِ؟ أنظري كيف أصبح كل شيء مثالي الآن”.. نظرتُ إلى ابنتها المسكينة التي تجلس على الأريكة ممسكةً بالهاتف منعزلةً عن محيطها، وقلتُ لها “نعم.. مثالي. ألا ترين ابنتكِ؟ بعد أن كانت تملأ المنزل ضجيجاً وضحكاً، وتبتكر أفكار بألعابها الصغيرة مع إخوتها، ها هي الآن تجلس وحيدةً مركزةً في شاشة الهاتف، لا تجد وسيلةً أخرى للتسلية.. مثالي؟ أعذريني صديقتي.. ما أراه لا يمت للمثالية بصلة!”.
أولوياتها الإجتماعيات
في موقفٍ آخر، عادت إحدى أقاربي من عملها. وما إن دخلت من الباب حتى ركضت ابنتها نحوها تصرخ “ماما” فأبعدتها عنها قائلةً “ليس الآن صغيرتي، أنا متعبة”. كانت ابنتها قد تناولت الطعام مع الجدة. فقررت أن تستريح وتحضر النرجيلة وتجلس للتحدث مع الجيران الذين أتوا لزيارتها. فأتت الفتاة لتريها علامتها في المدرسة وهي تركض بحماس سعيدةً بإنجازها الصغير، سرعان ما صرخت الأم “كدتِ تقعين. لِمَ تركضين هكذا؟ ألا تفكرين في تصرفاتكِ”. فقالت الفتاة “كنتُ أريد أن أريكِ شيئاً”. فأجابتها الأم بحدة “ألا ترين أننا نتحدث؟ إذهبي والعبي الآن”.
أولوياتها كلام الناس
أعرف امرأة لديها طفلٌ يعاني من اضطراب طيف التوحد. ومن سمات هذا الإضطراب أن الطفل قد يظهر أحياناً حركات نمطية لاإرادية، أو يصاب بنوبات غضب إثر المؤثرات الحسية المحيطة به. إنه زميل ابنتي في قسم التوحد. اختارت والدته ألا تخبر أحداً بمشكلة ابنها، وطلبت من المدرسة ألا تنشر صوراً لابنتها في الصف كي لا يدرك الأقارب أنه في مدرسة للصعوبات. هي لا تنكر حالته فقط، بل تعزله أيضاً عن المجتمع ولا تسطحبه إلى الأماكن العامة. هي تخجل بابنها! وأنا أخجل من وجود أمهات بهذه القسوة واللاإنسانية في هذا العالم.
أولادي هم أولويتي
أكرس نصف يومي لعملي، والنصف الآخر لأولادي. يجدني الناس معظم الوقت منشغلة بإعداد أنشطة إنشغالية وحركية لابنتي المصابة باضطراب طيف التوحد، وباقي الوقت أصطحبها إلى جلسات علاجية. وألمس تحسناً ملموساً مقابل هذا. أما ابنتاي الأخرتان فأحرص على أن أخصص لهما وقتاً كي لا يشعرا بأنني أميز بينهما وبين ملاكي الصغير.
المنزل المثالي بنظري هو المكان الذي يكتظ بضحكات أولادي، والأنشطة التي يقومون بها التي نعلقها على جدران المنزل كأننا في معرض كي يحفزهم ذلك لمزيد من الإبداع. هو هذا المكان الدافئ الذي لا يوجد في قلوب قاطنيه فراغاً أو شعوراً بالنقص أو حزن عميق.
لهم مثالياتهم، ولي مثالياتي.. فليبحثوا عن تفسير لشعور أطفالهم بالنقص أو سلوكهم السيء في المستقبل، وليتركوني أبحث في قلوب أطفالي الصغيرة عن دافعٍ جديد لنحب الحياة معاً كل يوم.
سماح خليفة