التحديات التي تواجه الآباء:
أحياناً، يجد الآباء طفولة أبنائهم مليئة بالتحديات. هم يحبون الطفل ويستمتعون بالأصوات التي يصدرها وبحركاته الجديدة لكن رعايته يمكن أن تبدو لهم غامضة ومخيفة. وتمنع الأم، التي تكرّس وقتها لطفلها، الأب عن غير عمد من لعب دور أكثر فاعلية عبر الإصرار على أن يتم حمل الطفل وإطعامه وهدهدته بطريقة محددة (طريقتها هي). وغالباً ما يختفي الآباء ويغرقون في العمل لتأمين حاجات الأسرة الجديدة. وهم لا يعودون أحياناً للظهور إلا بعد سنوات، إذا ما ظهروا.
تغيّر دور الأب في تربية الأولاد تغيّراً جذرياً خلال القرن أو القرنين الماضيين. في الأجيال السابقة، كان يتوقع من الأبناء أن يسيروا على خطى آبائهم، فيمتهنون مهنهم ويتعلمون مقاربتهم للحياة. لكن، خلال القرن التاسع عشر، بدأ الآباء يخرجون للعمل وتغيّرت معايير نجاح الرجل ببطء. وبدلاً من أن يقاس نجاح الرجل بمدى ترابط الأسرة وقوة العمل العائلي، راح يقاس بدخله وقيمة منزله وحجم سيارته. وأصبحت التربية «عمل المرأة» فالآباء منشغلون بكسب رزقهم. ومنذ ذاك الحين، نشأت أجيال من الصبيان الذين يتوقون إلى التقرّب من أب بالكاد يعرفونه، شخص يعود إلى المنزل فقط لتناول العشاء وإلقاء نظرة على الواجبات المدرسية والإصغاء إلى الشكاوى بشأن أيّ سوء تصرّف ومشاهدة التلفزيون لبعض الوقت.
وقائع عن التحديات التي تواجه الآباء
وجد الدكتور روس باركي، من جامعة كاليفورنيا في ريفرسايد، أن الآباء يجيدون قراءة إشارات الطفل الانفعالية بقدر الأمهات لكن ردود أفعالهم تأتي مختلفة. يمكن للعب الأب الحيوي وتحفيزه أن يساعدا الطفل على تعلُّم أن يدرك حالته الداخلية وأن يحتمل مجموعة متنوعة من الأشخاص والنشاطات.
تشير الأبحاث ومن دون أدنى شك إلى أن الآباء جزء لا يتجزأ من نمو أبنائهم العاطفي والجسدي والإدراكي السليم اعتباراً من لحظات حياتهم الأولى. يواجه الصبيان الذين يحبهم آباؤهم، ويظهرون لهم هذا الحب بطريقة مستمرة وحنون، مشاكل أقل في مراحل لاحقة من حياتهم لاسيما مع رفاقهم وعلى المستوى الأكاديمي وانتهاك القانون. راقبت إحدى الدراسات مجموعة من الفتيان والفتيات على مدى ست وعشرين سنة، مستكشفة دور الآباء والأمهات في تنمية الصحة العاطفية والتعاطف. وفي حين أن دور الأم مهم، بقي التأثير الأكبر في صحة الطفل النفسية لمدى مشاركة الأب في رعاية الطفل. في الواقع، يبدو أن فوائد وجود أب يلعب دوراً فاعلاً وناشطاً في التربية خلال الطفولة وسنوات الحياة الأولى تدوم إلى مرحلة المراهقة.
الأب الناقد والابن الجائع
من المؤسف أن العديد من الآباء المحبين لا يتعلمون أبداً كيف يعبِّرون عن الحب بطرق يمكن لأبنائهم أن يسمعوها ويشعروا بها. فكروا في السيناريو التالي: كان سامي في السادسة من عمره عندما وقع الطلاق بين أمه وأبيه. كان سامي على علاقة وثيقة وحنون بأمه لكنه يعشق أباه أيضاً فقد اعتادا أن يمضيا ساعات في الحديقة يحفران وأن يشاهدا كرة السلة ويلعبا البايسبول معاً. حرص والدا سامي على أن يقللا من تأثير طلاقهما على ابنهما إلى أقصى حد فراح الابن يمضي وقتاً متساوياً مع كليهما فيما حرص الأب على أن يشارك في النشاطات الكشفية وعلى أن يحضر كافة مباريات كرة القدم والبايسبول التي يشارك فيها ابنه.
إلا أن الأمور أخذت تتغيّر مع مرور الوقت، فقد تزوّج والد سامي من امرأة ثانية وجدت حضور الابن مزعجاً. ولم يعد الأب يظهر غالباً في مباريات سامي وفي برامج المدرسة. كان سامي تلميذاً متفوقاً ورياضياً جاداً لكن والده بدأ يجد نقصاً في انجازاته. ومهما حاول جاهداً، بدا أن أباه يظن أنه يستطيع أن يحقق نتيجة أفضل. أصبح الوالد متطلباً ويكثر من انتقاد ابنه حتى أن زوجته لاحظت ذلك وطلبت منه «أن يخفف من ضغطه على سامي».
معلومة ضرورية عن التحديات التي تواجه الآباء
مع وصول الصبيان إلى مرحلة المراهقة، قد تدفعهم نزعتهم الفطرية إلى التفرّد وإلى أن يصبحوا أشخاصاً مستقلين، نحو التنافس والتشاجر مع آبائهم. ويأتي رد فعل الآباء غالباً على شكل محاولات للسيطرة على آراء أبنائهم وأفعالهم ما يفضي إلى صراع. تذكّر فيما ابنك يكبر أن مهمته تقضي بأن يصبح هو نفسه وأنه يحتاج إلى دعمك وتفهمك.
ومع وصوله إلى مرحلة الدراسة الثانوية، بدأ سامي يتحاشى تمضية الوقت في منزل أبيه، مفضلاً ألا يبيت هناك أبداً. أخبر بمرح أمه القلقة أن الأمر لا يزعجه لكن بُعد أبيه وعدم رضاه فطرا قلبه في السرّ. بقيت نتائج بول المدرسية جيدة ولم يقع يوماً في المشاكل وأقام علاقات صداقة قوية مع شبّان جيدين، حتى أنه أقنع نفسه بأن انتقاد أبيه المتكرر هو علامة حب إلا أن ثمة فراغ استقر في قلب سامي. ففي أعماقه، بقي يتوق إلى أن يفخر والده به.
يحتمل أن يكون سامي محقاً… فوالده يحبه بالتأكيد. لكن الآباء لا يعرفون دوماً كيف يتواصلون مع أبنائهم أو يقيمون روابط معهم. وكما
يورد الدكتور دان كيندلون والدكتور ميشال تومسون في كتابهما Raising Cain : «… يجدون صعوبة في التفكير بلغة «الحب» أو في التعبير عن الحب الذي يحملونه في قلوبهم لأبنائهم. بدلاً من ذلك، يميلون إلى العودة إلى ما تعلّموا أن يفعلوه مع الرجال الآخرين… أيّ التنافس والسيطرة والانتقاد».
في إحدى الدراسات، سئل مدراء من الذكور عن الشيء الذي يودون لو يغيرونه في علاقاتهم بآبائهم في مرحلة الطفولة، فأجاب معظم هؤلاء الرجال الناجحين أنهم يتمنون لو ربطتهم علاقة أوثق بآبائهم ولو أن آباءهم عبّروا عن مزيد من الدفء والعاطفة.