حملت بطفلتي الأولى.. كانت الايام تمضي ببطء وكنت يوماً بعد يوم ارى التغييرات التي تصيبني. ولاني كنت متعبة تمنيت لو تتسارع الايام وألد بسرعة وفي احدى الجلسات مع امي قلت لها : “ليت الايام تمضي بسرعة. انا مرهقة من الحمل”
ضحكت أمي وقالت : بعد الولادة ستقولين : “ما أحلاهم حينما كانوا في بطني”
نظرت الى امي وقلت لها : “ماذا تقولين؟ كيف ما أحلاهم حينما يكونون في بطني.. أنا لا اصدق حتى اتخلص من الحمل وارهاقه”
ضحكت أمي ثانية وكأنها تقول بينها وبين نفسها: ” يا لابنتي ! إنها لا تدري ما ينتظرها”
ومرت الايام .. وانجبت طفلتي التي كانت لا تكف عن البكاء طالما هي مستيقظة فهي إما نائمة (وما اقل ما كانت تنام) وإما باكية. وأنا حائرة ماذا افعل وكيف أنهي ما عليّ من مهام.. لم اكن اجد لحظة لنفسي .. صدقوني ولا لحظة فطفلتي من الاطفال الذين لا ينامون إلا نصف ساعة على الاكثر نهاراً والليل قصة اخرى تقضيها بالرضاعة. وهنا تذكرت ما قالته لي امي: “ما احلاهم وهم في بطني”.
نعم ما احلاهم فهم لا يبكون ولا يتألمون .. وقت الحمل انت التي تتحكمين بوقت نومك لا هم. انت تتحكمين بوقت اكلك لا هم وانت تتحكمين بوقت عملك لا هم.. ومن اصعب الامور التي مرت عليّ هي الرضاعة. انا من النساء اللاتي تؤمن بان الرضاعة هي الافضل لذا قررت ان ارضعها ولا الجأ الى استخدام قناني الحليب. كنت في إجازة الامومة . وكان وقتي كله لابنتي .. كان وقت الرضاعة مأساة في الشهر الاول. فكل رضعة تستغرق ساعة كاملة لا تنقص دقيقة. فابنتي كانت ترضع قليلاً ثم تغفو وحين كنت انزلها عن ثديي كانت تستيقظ وتعود للرضاعة. في هذه الاوقات كنت اقول لنفسي كيف سأنظم بيتي وعملي اذا كان وقت الرضاعة يتطلب دواماًً كاملاً ..
ومضى الشهر الأول فإذا بابنتي فجأة تتغير احوالها في الرضاعة فمن ساعة كاملة للرضاعة الى ثلاث او خمس دقائق للرضعة الواحدة .. ماذا حدث؟
فجأة اصبحت ترضع اقل من خمس دقائق ثم تبعد نفسها عني وترفض ان ترضع اكثر. هنا دب الرعب في نفسي وقلت ابنتي لا تشبع ولأني من الذين يحولون كل شيء الى دراما ازداد خوفي واخذت الافكار السلبية تتقاذفني يمنة ويسرى.. ماذا افعل؟ ولانها من الاطفال البكّائين كنت اظن انها تبكي لأنها ما تزال جائعة. حاولت ان اعطيها تركيبة الحليب الاصطناعي فكانت ترفض باصرار.. اذكر اني جلست ابكي ماذا افعل وابنتي لا تأكل. كنت اخاف ان يصيبها شيء بسبب قلة الأكل .. فجاء زوجي ورآني ابكي فسألني ملهوفاً: ما بك اجبته والدموع تنهمر بغزارة : ابنتنا ترفض الرضاعة ولا تقبل قنينة الحليب
حاول زوجي، الذي يعرف اني احول الامور البسيطة احياناً الى مأساة عندما يتعلق الامر بابنتي ، أن يخفف عني قائلاً : غدا نذهب الى طبيب الاطفال نستشيره . لا اظن ان بها شيء انظري اليها وزنها جيد وهذا دليل الى ان لا مشكلة لديها ..
وضحك زوجي على زوجته المجنونة بأمومتها .؛ وقال لي:” انظري اليها .. انها بصحة جيدة.؛ كفي عن تعظيم الامور.. أريحي بالك. ابنتنا بخير”
جعلتني كلماته اهدئ من روعي ومن وسوستي ولكن قلبي ظل خائفاً ..
وذهبنا الى طبيب الاطفال واخبرته بقصتي الحزينة المأساوية فنظر الي وقال : “واين المشكلة ؟”
نظرت اليه وبيني وبين نفسي اقول هازئة :به”ما هذا الطبيب ؟”
” يا دكتور ابنتي ترضع خمس دقائق فقط وتتوقف. انها لا تشبع”
فضحك الطبيب وقال:” يا ابنتي .. طفلتك ترضع حاجتها .. انها لا تحتاج اكثر من ذلك
ولكنها كانت تأخذ ساعة حتى تشبع
اجابني الطبيب الذي غطى الشيب رأسه :
يا ابنتي الطفل وخاصة البنات في الشهر الاولى تكون احناكهم ضعيفة لذا ترينهم يرضعون لدقيقة ثم يتعبون فيغفون ولانهم لا يكونون قد شبعوا يستيقظون ثانية ليكملوا الرضاعة ولكن بعد الشهر الاول تقوى احناكهم فيرضعون خمس دقائق ويشبعون وما بعد ذلك من وقت يقضيه الطفل في الرضاعة هو مص لا رضاعة. الصبيان عادة تكون احناكهم اقوى لذا لا يقضون وقتاً طويلاً في الرضاعة اما البنات فقصة اخرى وطبعاً الامر يختلف بين فتاة واخرى فبعضهن اضعف من الاخريات
عدت الى بيتي وقلبي مليء بالسعادة .. ابنتي لا تشعر بالجوع . وغاب عني في هذا الوقت الشعور بالذنب من شيء لا اعرف سببه.. وهزئت من نفسي ووسوساتها ومن شعوري بالذنب العظيم على شيء لا يستحق اي شعور بالذنب.. لا أدري ما قصتنا نحن الامهات وتعظيم الامور ولا ادري لماذا دائماً نشعر بأننا مقصرات مذنبات؟ ولا أدري لماذا تضخم عقولنا الامور عندما يتعلق الامر بإطفالنا.. هل صحيح كما يقول زوجي:” مصيبة الاطفال امهاتهم ووساوسهن؟”
تجربتي كأم علمتني اشياء هامة عن الرضاعة.
في البداية او بالاحرى في الشهر الاول تكون عملية شاقة ولكنها بعد ذلك تصبح اسهل من السهل. فمع الرضاعة الطبيعية لا تحتاج الام للنهوض ليلاً لاعداد قناني الحليب ولا تحتاج الى التعقيم والانشغال بحرارة الحليب ولا الخوف من ان يكون الحليب قد فسد لان الطفل شرب القليل وترك الباقي الذي تخافين رميه وتقولين بعد قليل يجوع ويأكل الباقي.
الفخ الذي تقع فيه الامهات بالنسبة للرضاعة الطبيعية هو الشهر الاول الذي بسبب المشقة التي تعاني منها الام تظن ان طفلها لا يشبع وانها لا تجد الوقت للرضاعة فتتحول الى الحليب الاصطناعي الذي هو في البداية سهل ولكنه بعد ذلك يصبح مشقة ودوامة ما بين تعقيم واستيقاظ ليلا وغير ذلك
سيدتي لا تقعي في فخ اللجوء الى الحليب الاصطناعي فهو لن يقدم لاطفالك فوائد حليبك . اصبري شهرا ً فقط وسترين ما اسهل الرضاعة.
اضيفي الى ذلك فوائد الرضاعة الطبيعية
ترقبوا في المقالة القادمة الفوائد التي تقدمها الرضاعة الطبيعية لطفلك
آمال الأتات