الطفل الوحيد:
قبل هذا الزمان نادراً ما كنا نرى طفلاً وحيداً أما اليوم فمن الشائع أن يكون في العائلة ولد وحيد وهذا الولد يواجه وضعاً خاصاً حيث قد تتفاقم مشاكل عدة إلا إذا تنبّه إليها الأهل.
أولاً، يحمل الولد الوحيد عبء كل توقعات وآمال أهله التي يعقدونها عليه وحده. في العائلة الكبيرة عندما لايحقق البكر توقعات أهله منه، قد يشعرون بالخيبة ولكن يبقى لديهم أمل بأن أحد أبنائهم قد يحققها. أما حين لا يكون هناك إلا ولد واحد فالأهل قد يرونه فرصتهم الوحيدة لتحقيق أحلامهم وهكذا يشعر هذا الولد بكل ضغط وعبء توقعاتهم منه.
أضف إلى ذلك أن كل الانتباه الذي يتشاطره الأخوة عادة، ينصب عليه وحده فتكون النتيجة أن يراقبه الأهل كثيراً.
عادت جمانة من الحفلة في منتصف الليل فوجدت أمها تنتظرها في غرفة الجلوس: «كيف جرت الأمور يا حبيبتي؟ هل استمتعت؟ هل فرحت بالحفلة؟». قبلت الابنة أمها على وجنتيها وهي منزعجة واستطاعت أن تغمغم بين تثاؤبة وأخرى: «أنا متعبة. غداً أخبرك..»
الشاهد الأول عن طفل وحيد
جمانة ابنة وحيدة لديها أم لا تعمل خارج المنزل، تحاول أن تعيش من خلال ابنتها، متشبثة دائماً بأي شيء تقوم به الابنة أو تقوله، مشاركة إياها حياتها كما كانت تفعل عندما كانت فتاة صغيرة. ولكن جمانة المراهقة بحاجة إلى مساحة خاصة بها وهي تشعر بالإرهاق من هذا التدخل المستمر في حياتها. الانفصال ضروري لجميع المراهقين ولكنه قد يكون مؤلماً جداً للأمهات اللواتي لايملكن اهتمامات شخصية.
يزيد ميل الأهل إلى الحماية المفرطة عندما يكون هناك ولد وحيد فقط لأن الأهل يكونون أكثر وسوسة به، محاولين القيام بكل شيء من أجله.
شاهد ثان من الحياة عن طفل آخر وحيد
في صباح أحد الأيام في المدرسة هنّأ أحد الآباء أباً آخر: «كريم، يا للمجسّم الذي صنعته لابنك! ليس غريباً أن يربح الجائزة الأولى. بالتأكيد فهو ابنك الوحيد لذا كان لديك الوقت لتقوم من أجله بكل شيء. ولا شك أنك قمت بعمل رائع». كان كريم يحمل إضافة إلى المجسّم، حقيبة ابنه المدرسية وجاكيتته وكرته ويراقب في الوقت ذاته ابنه يلعب في ملعب المدرسة.
اعتنى كريم وزوجته بابنهما، قرة عيونهما، كثيراً. وبما أنه محور كل شيء، لم يكن بحاجة إلا إلى أن يسأل حتى يحصل على ما يريد. كان والداه يحبانه ولكنهما أفسداه بدلالهما حتى بات يعتقد أن على كل شخص في هذا العالم أن يعامله بالطريقة ذاتها. وعندما لا تكون هذه هي الحال، يشعر أنه مخدوع، مرتبك. وعندما سيصبح أكبر، لن يكون مستعداً إلى مواجهة الحياة وحده
«سيدة كريم ، أريد التحدث إليك عن ابنتي كاميلا. إنها تشكو في البيت من أن لا أصدقاء لديها. أهذا صحيح؟». أخذتها المعلمة جانباً وحاولت أن تشرح لها بلباقة: «أخشى أن أقول إن ذلك صحيح. فالفتيات الأخريات يشكين من أنها تحاول اللعب بالطريقة التي تريدها وإن لم يطعنها تغضب منهن. أظن أن السبب هو كونها الابنة الوحيدة المعتادة على أن تسير الأمور على هواها، وهذا ما سبب لها مشاكل مع زميلاتها»
عندما يكون الولد وحيداً قد يعاني من مشاكل على صعيد تنمية مهاراته الاجتماعية. ولأنه يحاول أن ينقل المسلك الذي يحدث في البيت إلى المدرسة،سيشعر بالإحباط إن لم يحدث ما يتوقعه. قد يشكو ولد كهذا من أن المعلمات لا يحببنه أو لا يهتممن به فيما الواقع أنه لا يقدر على التكيّف لأنه لا يعرف كيف يتشاطر الانتباه مع الآخرين. وهذا ما لا يمكنه فهمه إذ أن الانتباه في البيت حصري به وحده.
سنحسن صنعاً إذا أدركنا أن الولد الوحيد يعيش مع الراشدين فقط وأننا كأهل إن لم نجعل ابننا يتواصل مع الأولاد الآخرين فسيشعر بالوحدة الشديدة عندما سيكبر.