كم يحبنا أطفالنا:
كنتُ أعلم أنني سأنشغل عنها في الآونة الأخيرة. ولظروف استثنائية اضطررتُ لتركها عند جدتها وأوكلتُ مهمة تحضيرها واصطحابها إلى المدرسة لخالتها. حضّرتُ حقيبتها ووضعتُ الطعام كما تحب، ثم وضعتُ علبةً صغيرةً فيها ورقة كتبتُ عليها “أحبك”.
كنتُ مضطرة ذاك اليوم إلى البقاء بالقرب من أختها في المستشفى، وكانت العملية في الساعة السادسة صباحاً في مكانٍ بعيد عن المنزل. علمتُ في اليوم التالي أن ابنتي كانت تبكي طيلة طريق العودة مع أخي. فسألتُه عن السبب، قال إنها كانت تقول “ورقة ماما تمزقت” وتبكي، لم نفهم السبب. لكننا لم نشأ أن نشغل بالكِ بموضوعٍ كهذا في هذه الظروف.
عندما عدتُ إلى المنزل، ركضتُ نحوها واحتضنتُها بقوة حتى كدتُ أجعلها جزءاً مني.
ثم سألتٌها لماذا كانت تبكي عند عودتها من المدرسة، فأجابت بمنتهى البراءة “تمزقت الورقة.. كنتُ أريها لمس نور، وتمزقت حين أخذها مني جاد”. فسألتُها “أنتِ حزينة إلى هذا الحد لأن جاد مزق تلك الورقة الصغيرة؟” فبدأت بالبكاء مجدداً وقالت “لا، جاد لم يمزق الورقة الصغيرة، جاد مزق ورقة ماما”.
تلك الصغيرة لم تكن تبكي لأن الورقة تمزقت. تلك الصغيرة كانت تبكي لأن فكرةً رمزيةً تجمعها بأمها تلاشت. الصغيرة كانت تبكي لأنها تفتقدني وبشدة. دموعها كانت تعبر عن حب واشتياق وتقدير لا فقط عن حزن.
راودتني إثر هذا الحدث الصغير الكثير من الأسئلة..
أإلى هذا الحد تحبني؟ هل أستحق هذا الكم العظيم من الحب؟
تمزق ورقةٌ صغيرة كسر قلبها هكذا!! فما بالكم بتصرفاتي الكثيرة التي تنم عن إهمال وعدم اهتمام؟ كم من مرة كسرتُ قلبها الصغير وخذلتُها دون أن أدري؟
ما هو شعورها إذاً حين قلتُ لها إنها كسولة ذاك اليوم؟ أو حين أخبرتها أنني لن ألعب معها لأنها شاغبت؟ أو حين حملتُ أختها طيلة اليوم لأنها مريضة، وحين طلبت أن أحملها امتنعتُ عن ذلك؟ ما الذي تشعر به عندما أنشغل عنها طيلة اليوم وأتذكرها فقط عند إلقاء بعض الأوامر المتعلقة بترتيب ألعابها والنوم؟
لو كنا نعلم فعلاً كيف يفكر أطفالنا لفكرنا مئة مرة قبل أن ننفعل عليهم أو نوبخهم… ولو كنا نرى أنفسنا بعيونهم لفكرنا ألف مرة قبل أن نخطئ… لو كنا ندري أننا بالنسبة لنفوسهم الصغيرة ركيزة أساسية بنيانها الأمان والحب لما قمنا بخيانة ثقتهم للحظة. فكروا ملياً قبل أن تتهوروا وتكسروا قلب طفل.
سماح خليفة