ولد مفضل:
إن تفضيل ولد على آخر، أمر يضمن الاستياء والمنافسة والحسد في العائلة وهو إلى ذلك يفسد ويدمر العلاقات بين أفراد العائلة وينتهي الأمر بأن يتأذى كل من الولد المفضل والولد الآخر بطريقة مختلفة.
من جهة سنضلل الولد المفضل عندنا إذ سيعتقد أنه يستحق أشياء أكثر مما يستحقها الآخرون فيحاول دائماً التأكد من أنه يحصل على هذا الامتياز. إذا كبر الشخص وهو يعتقد أنه بحاجة إلى أن يكون أفضل من الآخرين ليشعر بأنه شخص ذو اعتبار وأهمية، فسيشعر بأنه مطرود وتعس إن حدث العكس. الاعتقاد بأنه «مميز» أمر يعني بالنسبة له أنه «أفضل من» وهذا ما يجعله شخصاً غايته التنافس. ستجده لا يعرف كيف يتشاطر مع الآخرين الأشياء وسيكون دائماً حسوداً، فهو لا يشعر بالأمان إلا إذا حصل على أكثر من الآخرين. وحتى إن كان يشعر بأنه مدعوم وأنه الشخص المفضل، فسيجد نفسه غالباً وحيداً، منعزلاًعن إخوته الذين يمتعضون منه. وحالما يرحل أهله، ستصبح علاقته السيئة مع إخوته واضحة للعيان.
من جهة أخرى ينظر الأخوة الأدنى مرتبة إلى الولد المفضل بحسد ويتوقون إلى أن يكونوا مكانه وهم لا يفهمون سبب وجود هذه التفرقة بينهم. فيشعرون بالغضب من قدرهم الذين جعلهم غير متنعمين بجمال أو ذكاء أو سحر الولد المفضل، وهنا يكافحون حتى يحظوا برضا أهلهم، وأحياناً قد يرغبون في القيام بتضحية حقيقية من أجل تلقي حب أهلهم الذي يظهرونه للولد المفضل.
قصة أب لديه ولد مفضل
دخلت سارة إلى غرفة الجلوس وقالت لأبيها بصوت عذب: «اشتريت لك هذه البسكويتات التي تحبها. أرأيت ثوبي الجديد؟» ظل الوالد يقرأ الجريدة وتمتم «نعم» بدون أن يرفع نظره. وفي هذه اللحظة نزلت ريما الدرج، فرفع الوالد عينيه عن الجريدة وقال مبتسماً ابتسامة كبيرة: «انظروا من هنا». أخفضت سارة نظرها وغادرت الغرفة وهي تشعر بالغصة.
لقد أظهر هذا الوالد تمييزاً واضحاً بين الفتاتين فريما هي الملكة أما أختها فشخص ليس له اعتبار. لم أتفاجأ عندما علمت أن سارة حين كبرت، أصبحت مدمنة على الكحول والمخدرات. وقد تزوجت مرتين وكانت تجد صعوبة في إيجاد وظيفة تثبت عليها، علماً أنها كانت ستخولها إعالة ولدين. إن طفولة كهذه أثّرت في احترامها لذاتها وفي قدرتها على التواصل مع الناس.
إن تمييز الوالد بين الأختين أعطاها الرسالة التالية: «أنت شخص غير صالح كفاية بالنسبة لي. وأنت شخص غير جدير باهتمامي»، فكان أن كبرت سارة معتقدة أن كل ما هو جيد هو لأختها وأنها لا تستحق غير الفتات والبقايا.والحياة أعطتها ما اعتقدت أنها تستحقه: الفتات. الواقع أن الحياة لا تعطينا أكثر مما نعتقد أننا نستحقه . إننا نغش أنفسنا عندما نفكر أننا ضحية الواقع المحدود، لأننا نحن الذين قيدنا حياتنا بمواقفنا وآرائنا وبما آمنا به واعتقدناه عن الحياة. والنتيجة أننا خلقنا بأفكارنا هذه، الواقع الضيق المر، علماً أنه كان بمقدورنا أن نحظى بحياة ملؤها النجاح والخير.
عندما يكون في العائلة ولد مفضل، ندمر حيوية العائلة. فالتنافس والحسد يؤديان إلى قطع العلاقات بين الشخص المفضل وبين إخوته وأهله.
شاهد آخر
اتهمت سونيا أمها بغضب: «لماذا لا توبخين لمياء أبداً؟». عندما حاولت الأم الرد أدارت ظهرها لأمها وأغلقت باب غرفتها على نفسها.
بعد ساعة عندما رأت الأم أن سونيا قد هدأت، دخلت إلى غرفتها وجلست على سريرها: «أنت تعرفين يا حبيبتي أنك هامة جداً بالنسبة لي وأنت تعرفين مقدار حبي لك. لا يمكنني أن أتخيّل هذا البيت بدونك. هل لديك فكرة كم اشتقت إليك الأسبوع الماضي حينما كنت في المخيّم؟ ولكن الحقيقة أننا أنا وأنت لا نتفق ونظل في حالة صراع. يكفي أن تقول إحدانا كلمة واحدة حتى نبدأ شجاراً جديداً. أتعرفين ماذا؟ اعتقد أن السبب هو أننا نشبه بعضنا بعضاً. تحب كل واحدة منا إعطاء الأوامر وتعتقد كل منا أننا على حق. الشيء ذاته كان يحدث معي ومع أبي. أختك من جهة أخرى هادئة ولعل هذا هو السبب الذي جعلني لا أتشاجر معها ابداً. ولكن هذا لا يعني أني أحبها أكثر منك، المسألة كل المسألة أننا نتصادم أقل. أعود فأقول لك أنا أحبك من كل قلبي».
من السخافة أن نتوقع أن تكون علاقتنا مع كل واحد من أولادنا متشابهة، ذلك أن لكل ولد طبعاً وهذا يعني أن علاقتنا مع أحدهم قد تمشي بسلاسة وهدوء فيما قد تكون مع الآخر مواجهات مستمرة. من الهام أن نتذكر أن بالإمكان تحويل الحرارة أو النار التي قد تنشأ عن الاحتكاك الناتج عن الصراع إلى هدف نبيل وتسهيل مستوى عال من الوعي. العلاقات التي تعتبر «صعبة» هي بالتحديد العلاقات التي تحتوي على إمكانات كبيرة إذ تعكس أجزاء من أنفسنا ننكرها في اللحظة الحاضرة، أجزاء نعرف أنها جزء من شخصيتنا ولكننا غالباً ما نرفض القبول بها.
«ذلك الشاب عنيد جداً. كم مرة قلت لك إنه لن يدرس الفن المعماري، بل سيتولى أعمال العائلة. هذا قرار نهائي وانتهى الموضوع»
أتساءل هنا من هو الأكثر عناداً يا ترى الأب أم الابن؟
إذا كنا نتشاجر دائماً مع أولادنا، فهذا لا يعني بالضرورة أنهم لايحتلون مكاناً في قلوبنا. نحن نحبهم جميعاً مع العلم أن علاقتنا مع بعضهم قد تكون أسهل من علاقتنا مع بعضهم الآخر. حينما نعرف طبعنا ونعمل عليه، يمكننا أن نفهم لماذا نختلف مع بعض الأشخاص ونتفق مع آخرين. إذا جعلنا أولادنا في مراهقتهم يفهمون هذا، يمكننا أن نساعد في تحسين علاقتنا بهم. ولكن حينما نفعل ذلك، فلنعتزم أولاً العمل على عيوبنا ومشاكلنا بدل لفت انتباه المراهقين إلى عيوبهم ونقائصهم. عندما نتغيّر تتغيّر علاقتنا بالآخرين تلقائياً؛ الأمر أشبه بإضافة قطعة إلى لوحة البازل الأمر الذي يغيّر اللوحة كليّاً.