غياب الوالد: ابنتي الجميلة الرقيقة فراشتي الصغيرة، صغيرتي المدللة
أكتب لكِ هذه الرسالة على أمل أن تتخلصي من مخاوفك. على أمل أن تفهمي أنه لا بأس في أن تكبري دون أب بالقرب منك إلى جانبك، حتى لو كان ذلك يحزنكِ أو يشعركِ بالغضب.
لقد اتخذتُ قراراً في الماضي، قد يبدو غير منصفٍ بالنسبة إليكِ اليوم
لطالما تولّيتُ كل المسؤوليات بمفردي، منذ اللحظة الأولى التي عرفت فيها أنني أنتظر ولادتكِ.
كنتُ أعرف أنكِ تستحقين طفولة أفضل من طفولتي، حتى لو كانت طفولتي مقبولة بعض الشيء. كنتُ أريد أن تكون طفولتكِ رائعة ومذهلة.
أنتِ تستحقين أماً رائعة، ولذلك كنتُ أعلم أنه عليّ أن أغير حياتي.
كان أحد تلك التغييرات أن أترك والدكِ يرحل، لأنني كنتُ أعلم أن هذا الصبي الصغير الذي أحببته بجنون لن يصبح أبداً رجلاً بمعنى الكلمة. أقله ليس قي الوقتِ الذي كنتُ فيه أنتظر قدومكِ. والأسوأ أنه لم يمنعني.
منذ اللحظة التي عرفتُ فيها أنكِ تكبرين في أحشائي، شعرتُ أنني متصلة بروحكِ وكيانكِ قبل أن تولدي.
سوف تنظرين إليّ باستهزاء، وتقولين “أمي، توقفي عن هذه السيناريوهات التقليدية”، لكنها الحقيقة، طفلتي الجميلة، اليوم الذي ولدتِ فيه كان أجمل يومٍ في حياتي.
تتحدث الأمهات دائماً عن هذا اليوم كونه اليوم الذي تحمل فيه المرأة لقب أم، إلا أنني حملتُ هذا اللقب حتى قبل ولادتك. شعرتُ بأنني أم منذ اللحظة التي عرفتُ فيها أنكِ تكبرين داخلي.
ودعيني أضيف لكِ سيناريو تقليدي آخر من السيناريوهات التي تحبينها: أضيفي إلى القائمة الحب دون قيد أو شرط.
لم أكن أعلم إلى أي درجة كان من الممكن أن أحب إلى أن قابلتُكِ. إنه إحساس غامر بالمشاعر والعواطف وبنقاء جنوني. إنه إحساس لم أنجح يوماً في وصفه إلى بومنا هذا.
إنها أحاسيس ما زلتُ أعيشها بشكل يومي.
كوني أماً، هو أمرٌ منحني الشعور أن قلبي يعيش خارج جسدي. كنتُ أعتقد بمنتهى السذاجة أنني أعرف فعلياُ ما هو الحب قبل أن تدخلي حياتي، لكنني كنتُ مخطئة تماماً.
أنا أحبك دون شروط وقوة الحب الذي أكنه لكِ لا تشبه أي شعورٍ مررتُ به من قبل.
منذ اللحظة التي سمعتُ فيها قلبكِ الصغير ينبض، وقعتُ في حبك. وأصبح كل شيء حقيقياً! أصبح هناك حياة تكبر داخلي، وهي قريباً ستضطر إلى الإعتماد عليّ أنا فقط.
زوبعة إعصار من العواطف
كان الخوف موجوداً بشكل كبير: هل سأستطيع أن أكون على قدر هذه المسؤولية؟ هل سأتمكن من تربية هذه الطفلة دون مساندة أو وجود أب إلى جانبها؟
لكن السعادة التي كانت تسبق مخاوفي، والحب الكبير، كانا يسحقان هذا الخوف بمرح، وكنتُ أعرف مسبقاً ما أعرفه حتى يومنا هذا: أنني سأبذل أقصى ما بوسعي لأمنحك أفضل حياة ممكنة، وأجمل حياة من الممكن أن تتخيليها.
وهذا الرجل الذي من المفترض أنه والدك، لم يكن ليتمكن من تحقيق ذلك لأجلك، بينما كان باستطاعتي القيام بذلك بمفردي.
لم يكن ناضجاً وكان مصير قصة زواجنا الفشل. كان من السهل عليّ تركه يرحل، على الرغم من أنني أتفهم جيداً أنكِ قد تجدين ذلك القرار محزناً وغير عادل.
كل ما كنتُ أريده وما زلتُ أتمناه هو أن تحصلي على حياة طبيعية: منزل يحتوي على والدين، في مسكن جيد وتعليم في مدارس جيدة. منزل مليء بالسعادة والحب والضحكات.
وأظن أنني تمكنت من تولي الأمور بطريقة جيدة، تمكنتُ من منحكِ كل هذا، باستثناء رجل يمكنكِ أن تناديه بابا.
ويبدو أنكِ تتعايشين مع الأمور معظم الوقت. فأنتِ تنادينني “مابا”، أي أمك وأبيك في الوقت نفسه.
فعلتُ كل ما بوسعي لاعلمكِ كيف تكونين شابة واعية واثقة من نفسها، متحملةً المسؤولية المزدوجة، مسؤولية الأب والام.
لقد كنتِ محظوظة بوجود والدي ليظهر لكِ كيف من المفترض أن يعاملك الرجل.
لقد علمتكِ أن تقفي واثقة بنفسك وأن تحاربي لأجل أفكارك، أنتِ لا تخافين شيئاً سوى ربما العناكب (نعم، أنا السبب في ذلك ولكن في الحقيقة، يا لها من مخلوقات مروعة!).
ومع ذلك، فإننا نبذل قصارى جهدنا لتخطي مخاوفنا.
حين كنتِ صغيرة، كنتُ أعشق لعب المصارعة معكِ، كنتُ أشتري لكِ الشاحنات لبناء قصور خيالية، وفي المساء كنتُ أروي لكِ قصصاُ عن الأميرات.
على الرغم من أنه كان من الصعب التخطيط لكل هذا، إلا أنني تمكنتُ من حضور كل نشاطاتكِ ومناسباتُكِ المدرسية واصطحبتُكِ إلى كل الأنشطة التي كنتِ تشاركين فيها خارج نطاق المدرسة.
لقد كنتُ متواجدة عند كل إصابة بجرح في ركبتك وكل نوبة غضب، وسأبقى كذلك.