معركة حب:
اصطحبتُ أولادي إلى مدينة الملاهي، وأثناء جلوسنا لأخذ فترة استراحة، رأيتُ طفلةً تبلغ حوالي 4 سنوات تبكي وتصرخ. لم أفهم سبب بكائها، لكنني رأيتُ والدها يوبخها كي تصمت ويمسك بيدها بقسوة، وأمها تدافع عنها وتدفعه بعيداً وهي تحمل طفلها الرضيع بين ذراعيها.
أسرعتُ إلى إحضار “عدة الإنقاذ” التي أحملها في حقيبتي لتعديل مزاج أطفالي في حال تعرضت لموقف مماثل. أخرجتُ بالوناً ونفخته. كانت قريبة جداً مني، حين نظرت إليّ أعطيتُها البالون. فابتسمت الصغيرة وبدأت تلعب بالبالون كأن شيئاً لم يكن.
المضحك المبكي في الموقف أن والداها استمرا بالجدال بشأن ابنتهما “المدللة العنيدة التي تبكي كثيراً، والتي يجب تأديبها وضربها” كما كان يقول الأب. ولم ينتبها أصلاً إلى أن نوبة بكاء الفتاة قد اختفت وأنها استعادت هدوءها وعادت إلى كوكبها الطفولي البريء في غضون ثوانٍ.
لم أعرف ما الذي حدث بعد ذلك، فقد نهضتُ لأكمل يومي الماراثوني وأركض خلف طفلتي التي نهضت عن الكرسي وجرت خلف قطةٍ رأتها. الالتهاء عن الأطفال في أماكن مزدحمة كهذه خطأ كبير، فقد تكون النتائج كارثية.
4 أخطار تربوية مدمرة حصلت في هذا الموقف، أدت إلى تفاقم نوبة بكاء الطفلة:
- الخطأ الأول: توبيخ الطفلة وإهانتها في العلن أمام الجميع… مما يجعلها تشعر بالإحراج ويقلل من ثقتها بنفسها ويشعرها أن والدها مصدر خوف لا مصدر أمان.
- الخطأ الثاني: الأذى الجسدي، بحيث كان الأب يمسكها من يدها بشدة ويدفعها… مما يجعلها تظن أن العنف وسيلة لحل المشاكل وتشعر بالضعف والإهانة.
- الخطأ الثالث: الأذى المعنوي عبر نعت الفتاة بصفات سيئة وتهديدها… وتأثيره ليس أقل حدة من الأذى الجسدي.
- الخطأ الرابع: شجار الأبوين أمام الطفلة… مما يؤدي إلى شعورها بالذنب وبأنها شخص سيء، وبالخوف والتوتر والقلق.
قد يكون سبب بكاء الفتاة خوفها من الزحمة، أو أنها تريد أن تلعب لعبة محددة، أو أنها تريد شراء الفشار… لا يهم. أنا نفسي لم أدرك السبب. لكن الأطفال جميعهم يفكرون بنفس الطريقة. أحياناً يكفي فقط أن نشتت انتباههم قليلاً أو نشعرهم ببعض الأمان عبر غمرة صغيرة كي ينتهي كل شيء.
التركيز على المشكلة والعناد عبر رفض طلب الطفل من الأمور التي تزيد الوضع سوءً أيضاً. أحياناً يعتبر أحد الوالدين أو كلاهما، أن المسألة مسألة تحدٍ أو فرض سلطة. ويستمرون بالرفض والمعاندة، فيزداد عناد الطفل ويزدادون معاندةً إلى أن يتأزم الموقف كثيراً. نحن لسنا في حال حرب مع أطفالنا، إنها معركة حب، مَن يستطيع أن يثبت للآخر أنه يحبه أكثر؟ مَن يستطيع أن يقنع الآخر بطريقة أذكى؟ مَن يستطيع أن يسامح ويصفح أكثر ويحب الآخر..
أحياناً تستخدم ابنتي أعذاراً بمنتهى الذكاء وتجعلني عاجزة عن المجادلة والرد، فأستسلم لطلبها. التربية ليست مسألة تحدٍ وعناد، أنا شخصياً ما لم أقنع ابنتي وأجعلها تفهم سبب ما تقوم به، لا أعتبر أنني انتصرت. لأنها إن نفذت الأمر أمامي رغماً عنها، ستنفذ عكسه حين أغيب.
سماح خليفة