نظام غذائي للأطفال
علمتُ مؤخراً أن نوعية الغذاء الذي يتناوله الطفل تؤثر على مزاجه وسلوكياته اليومية. وتذكرت أن طفلتي التي تبلغ من العمر سنتين، تعاني من مشكلة الإمساك. وبدأت ألاحظ أن معظم أوقات انفعالها وصراخها ومعاندتها تكون قبل الوقت الذي تقوم فيه بإخراج البراز. هناك عاملان يسيطران عليها ويؤديان إلى توترها وانفعالها المستمر حينها، الألم والخوف من الألم. كما أنني لاحظت أنها عند البدء بعملية إخراج البراز، تبذل مجهوداً لحبسه لا لإخراجه. وتخيلتُ حجم الألم الذي تعاني منه، فيما أنني، بدلاً من أن أساعدها، أبداً بالانفعال والتذمر بسبب سلوكها السيء طيلة اليوم.
عدتُ يومها إلى المنزل ولعبتُ معها ثم تمددنا على السرير، وكنتُ أنظر إلى عينيها الجميلتين الممتلئتين بالحب والبراءة، أمسكتُ بيدها الصغيرة وبدأتُ بفرك بطنها وقلتُ لها “صغيرتي، ماما تعلم أنكِ تشعرين بالألم. وأن بطنكِ تؤلمكِ كثيراً، أنا آسفة لأنني لا أحاول تفهمكِ وأبداً بالصراخ. أعدكِ أن أكون أكثر تفهماً بعد اليوم”.
لم أصدق ما حصل حينها، اغرورِقت عيناها بالدموع كأنها تفهم كل حرف. وكانت أول مرة تبكي فيها دون صراخ وعناد، بل قلبت شفتها السُفلى الصغرى للمرة الأولى وبكت بحرقة. هذا المشهد الذي يفقد أي أمٍ صوابها ويضرب بجبروت أكبر متجبرٍ عرض الحائط زاد من شعوري بالذنب. فبدأتُ بالبكاء، استنتجتُ حينها أن ابنتي تفهم كل كلامي، مما يعني أنها كانت تفهم كلماتي حين أوبخها وأنعتها بالبكاءة والمزعجة، وتفهم من نبره صوتي أنني منزعجة وغاضبة جداً.
بدلاً من أن أتعاطف معها وأفكر بسبب صراخها وعنادها المستمر ركزتُ على سلوكها فقط. إنها أسوأ طريقة في معالجة الأمور، التركيز على القشور فقط، فيما سبب المشكلة الحقيقي مهمل ومنسي.
في اليوم التالي قررتُ أن أجد طريقة كي أقنعها بتناول الأطعمة المفيدة. كان طعامها يقتصر على اللبن الرائب والخبز والألياف. وكانت ترفض تناول كل أنواع الأغذية المفيدة مما كان يزيد من استيائي وانفعالي. قررتُ استخدام طريقة مختلفة. ألبستها ملابس قديمة، وقطعتُ لها الكثير من الفواكه في طبقٍ بلاستيكي، ووضعتُ غطاءً كبيراً على الأرض، وتركتها تتصرف كما تشاء.
فغالباً ما كنتُ أحاول إطعامها كل شيء بنفسي فيما تبكي وترفض لأنها تود التصرف باستقلالية دون مساعدتي وإشرافي.
بدأت تتناول المشمش والكرز وقطع البرتقال والتفاح بشهية. واتسخت ملابسها وأصبح وجهها في حالٍ مزرٍ. حملتها ودخلنا إلى الحمام لتنظيفها. ثم قمتُ بالأمر نفسه في فترة بعض الظهر، قطعتُ لها بعض الخضار ووضعت القطع في طبق بلاستيكي. وبنفس الطريقة وضعتُ غطاءً على الأرض وتركتُ لها حرية التصرف.
شيئاً فشيئاً بدأت ابنتي تتقبل تناول كل الأطعمة. كل ما في الأمر أنها تريد أن تستكشف كل شيء بيديها وأن تثبت نفسها وتتصرف بطريقة مستقلة. وما المشكلة؟
لا أدري لِمَ لم أكن أنتبه لكل هذا منذ البداية. تركيزي على سلوكها بدلاً من السبب، وانفعالي المستمر، وحرصي الشديد على نظافتها بدلاً من صحتها.. كلها كانت قرارات بمنتهى الغباء ساهمت في تأزيم الأمور بشكل أكبر.
أحياناً تكون أسباب المشكلة مختلفة تماماً عما نظن. منذ بدأتُ أدخل أطعمة مفيدة في نظامها الغذائي، بدأ سلوكها الانفعالي يتراجع. صغيرتي كانت تتألم وتعبر بالطرق التي تعرفها.
أطفالنا يعبرون بالطرق التي يعرفونها، وعلينا أن نكون أذكياء ومتعاطفين بما فيه الكفاية لتتمكن من تلقي الرسالة. على أي حال هذا دورنا كأمهات، لا فرض سلطتنا وإجبار أطفالنا على تنفيذ الأوامر دون فهم كما أوهمنا أجدادنا.
سماح خليفة