أطفال اليوم:
من وجهة نظر الصغار، تكلّف عملية البلوغ ثمناً باهظاً، و”سن البلوغ” محدود المزايا بحيث أنه شجرة نادراً ما تثمر.
أيتجنب أطفال اليوم أن يكبروا؟
من الواضح أن حالات الاكتئاب لدى الصغار في تزايد مستمر.
يحاول جيل الإنترنت جاهداً أن يتجنب الوصول إلى مرحلة البلوغ حيث أنه يفضل الاختباء وراء شاشات الهواتف ومواقع التواصل الاجتماعي.
على ما يبدو، لا يرغب الجيل الذي لا يتذكر كيف كانت الحياة قبل الإنترنت، أن يتخلى عن بيئته الالكترونية المخفية وهو لا يريد أن يواجه العالم الحقيقي وكل ما فيه من صعوبات ومشاكل.
لماذا؟
لأن الصغار يظنون أن الأمر يكلفهم استقلاليتهم.
ولكن سيكون من البسيط جداً شرح الأمور بهذه الطريقة.
في الواقع، إن نفور الصغار اليوم من النمو ليس إلا نتيجة لتحول معين في السلطة جعل دور البالغين في المجتمع أقل جاذبية بالنسبة إليهم.
على وجه الخصوص، يمثل المجتمع الحديث ما يسمى بالديمقراطية الجديدة، أي مجتمع يحظى فيه الأطفال بالمكانة الأعلى.
الديمقراطية الجديدة هي هرم مقلوب للنموذج الهرمي الذي اعتمدت عليه معظم المجتمعات عبر التاريخ البشري – حكم الشيخوخة، أي حكم كبار السن.
ماذا عن استحقاق المكانة والحصول عليها بجدارة؟
في حكم الشيخوخة، تأتي المكانة والإمتيازات مع تقدم العمر.
يتم إذن احترام كبار السن وتقديرهم لمعارفهم ومهاراتهم وإنجازاتهم ونسلهم وثروتهم النسبية واتصالاتهم الاجتماعية والمزايا الأخرى التي تراكمت على مر السنين.
في جميع المجتمعات تقريباً، ما عدا الحديثة منها، يتمتع الكبار والبالغون بمكانة عالية.
فقط عندما تكونون رجلاً بالغاً أو امرأة بالغة، ويكون لديكم أطفال، وحياة مهنية منتجة وهوية ثابتة، تحصلون على مكانة في المجتمع.
يتم تجاهل الأطفال في مجتمعات سيطرة الشيخوخة وتقييدهم وضربهم في كثير من الأحيان.
يتم استخدام هؤلاء الأطفال كيد عاملة مجانية منذ اللحظة التي يمشون بها.
هم يلبون احتياجاتهم الأساسية ولكن لا شيء أكثر من ذلك.
لا أحد يهتم بما يرغب الطفل به ولا بسعادته.
كانت هذه الصورة غير المثالية للطفل شائعة جداً في المجتمعات الإنسانية السابقة.
“الديموقراطية”
تختلف الأمور كثيراً في المجتمعات الديمقراطية الجديدة التي بدأت في العصر الفيكتوري.
إنها عبارة عن لحظة تاريخية تطورت خلالها الطبقة الوسطى وتوقفت عن رؤية الأطفال كقوة عاملة بسيطة يجب استغلالها.
انتقل الأطفال من كونهم مورداً للاستغلال في المنازل والحقول والمعامل على مر الـ 150 سنة السابقة، إلى أن أصبحوا أعضاء في المجتمع حيث يتم انفاق الموارد عليهم.
وبكلمة موارد نعني الملابس والألعاب والعلاجات والتعليم وما إلى ذلك.
في الواقع، حدثت أكثر التغييرات جذرية في وضع الأطفال في العقود الأخيرة.
صعد الأصغر سناً إلى قمة الهرم بسرعة فائقة.
تربية جيل الأهل جعلتهم لا يستجيبون لحاجات الأكبر سناً وهم كانوا ينتظرون حتى يكبروا ليناضلوا في سبيل مكانة أفضل في المجتمع.
وفيما يتعلق بالنجاح، الثروة، الأمن، الخبرة، خزانة الملابس، الامتياز، الاحترام، والحياة الاجتماعية، لم يكن بوسعنا إلّا أن ننتظر لتتحسن الأمور بمرور الوقت.
اليوم، لا وجود لل”أفضل” بعد مرحلة الطفولة، لأن الأطفال يحتلون قمة الهرم منذ الولادة.