الصبي المراهق
يشعر الكثير من الأهل، الذين يستمتعون تماماً بسنوات طفولة أبنائهم، بالقلق حيال المراهقة. مما لا شك فيه أن الابن سيتغيّر بشكل جذري خلال هذه السنوات، سواء على الصعيد الجسدي أو العاطفي أو الجنسي. والمراهق هو أكثر من شخص جريء يحب التحدي فهو ينظر في الوقت عينه إلى الأمور نظرة مثالية، ويراعي الآخرين كما أنه وفيّ. وفيما الصبي يعيش مرحلة المراهقة، يُتوقّع منه أن يبني شخصية مستقلة وأن يتعلّم إدارة حياته الخاصة وأن يبقى بعيداً عن المشاكل. وغالباً ما يجد الصبيان وأهاليهم أن مرحلة المراهقة مليئة بالتحديات.
فهم دماغ المراهق
عندما يصبح الصبي مراهقاً، يعتقد والداه غالباً أنه يحتاج إلى قدر أقل من التربية العملية. في الواقع، يحتاج المراهق إلى والدين ناشطين ومترابطين، لكن العلاقة يجب أن تتغيّر قليلاً لتفسح المجال أمام استقلالية المراهق المتنامية. ستولد السيطرة المفرطة صراعاً على السلطة فيما يُعتبر التساهل خطراً. يحتاج ابنك إلى تربية لطيفة وحازمة وإلى حدود معقولة أكثر من أيّ وقت مضى.
في كتابهما Positive Discipline for Teenagers ، تشير جاين نيلسون ولين لوت إلى أن الإنسان يولد مرتين. في المرة الأولى، تعاني الوالدة من المخاض. وفي المرة الثانية، نعيش المخاض بأنفسنا في مرحلة المراهقة. وتقول لوت والدكتورة نيلسون ساخرتين: «غالباً ما تكون المرة الثانية أصعب بالنسبة إلى أمهاتنا وإلينا».
لطالما نظرنا إلى المراهقة على أنها مرحلة اضطراب قوي وتغيير؛ وغالباً ما تظهر كلمتا «متمرّد» و»مراهق» في الجملة نفسها. على أيّ حال، سيساعدك الوعي ومهارات التربية الفاعلة في الحفاظ على الرابط الذي يجمعك بابنك ولن يسمح لكما بأن تتجاوزا هذه المرحلة وحسب بل أن تستمتعا أيضاً بسنوات المراهقة هذه.
عقل المراهق: إنه فعلاً مختلف
كما سمحت لنا التكنولوجيا بأن نفهم الأدمغة ونمو الأطفال الصغار، فقد فتحت نافذة على عالم المراهقين المضطرب والمحيّر. وغالباً ما ينخدع الأهل بمظهر المراهق الذي يبدو عليه البلوغ ويتوقعون منه أن يفكر ويتصرّف كالراشدين. عندما يرتكب المراهق خطأً (وسيفعل) أو يفقد أعصابه (وسيفعل) أو يتصرف بشكل مندفع ومتهور (نعم، سيفعل هذا أيضاً)، قد يشعر الأهل بالحزن ويتفاجأون ويقلقون. وعندما يصرّ المراهق على التمتع بالخصوصية ويمتنع عن التحدّث عن حياته الخاصة وينسحب إلى غرفته حيث يبقى لساعات، قد يعتبر الأهل أنهم مستهدفون شخصياً. لكن إذا ما فهمت نمو المراهق وتطوره فستتمكنين من البقاء على تواصل مع ابنك ومن وضع حدود مقبولة ومن تعليمه مهارات الحياة وضبط الذات.
علّمتنا الأبحاث التي أجريت في السنوات القليلة الماضية بعض الحقائق المفاجئة بشأن دماغ المراهق. قد يبدو المراهق كالشخص الراشد لكن دماغيهما مختلفان. وهذا الاختلاف يفسّر العديد من الصفات والخصائص التي لا يحبها الراشد. لعلك تذكرين أن دماغ ابنك كان ينمو بنشاط، مشكّلاً نقاط اشتباك جديدة بوتيرة مذهلة خلال سنوات حياته الأولى. في مرحلة لاحقة من الطفولة يتخلّص الدماغ من نقاط التشابك التي لا يحتاجها. إن جينات ابنك، فضلاً عن التجارب التي عاشها فيما هو يكبر، تحدد نقاط التشابك (وعددها) التي سيتم التخلّص منها. بعدئذ، ومع بدء مرحلة المراهقة، يشهد الدماغ نمواً آخراً مفاجئاً… بما في ذلك إضافة الهورمونات.
قشرة الفص الجبهي: قيد الإنشاء
قشرة الفص الجبهي هي جزء الدماغ المسؤول عما نسميه الوظائف التنفيذية وهي قدرات كالتحكّم بالاندفاع، وحسن الحكم على الأمور ووزن الخيارات… بمعنى آخر، كافة القدرات التي يرغب الأهل في أن يتحلى المراهق بالمزيد منها. إلا أن الباحثين يعتقدون أنّ قشرة الفص الجبهي لا تنضج تماماً إلا بعد أن يقارب الشخص الخامسة والعشرين من عمره، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى أن الأعصاب التي تربط الفص الجبهي ببقية الدماغ تفتقر إلى غشاء من المايلين ولا ترسل الإشارات بشكل فعّال. وهذا يفسّر لما يتصرّف المراهقون باندفاع وتهوّر (تعتبر الحوادث السبب الرئيسي للوفيات عند المراهقين) ولما لا يفكرون ملياً في النتائج قبل أن يتصرفوا.
تحذير!
من المغري أن نستخدم البحث بشأن نمو الدماغ لتغيير السياسات المتعلقة بأمور مثل البرامج المدرسية ورخص السوق والعمل للمراهقين. إلا أن معظم الخبراء يحذرون من استخدام هذه المعلومات لوضع سياسة عامة قبل أن يتم استكشافها وفهمها بشكل كامل.
ويمكن للمراهقة أن تؤثر في عملية ضبط النوم في الدماغ. لعلك لاحظت أن ابنك يعجز عن النوم قبل منتصف الليل ولا يمكنه بعدئذ أن يستيقظ في الصباح للذهاب إلى المدرسة. لعله لا يتجنّب المدرسة أو يتحداك؛ لكن العديد من المراهقين يجدون أن دورة النوم لديهم تتغيّر بمعدل بضع ساعات خلال المراهقة (أجرت بعض المدارس تجربة حول تأخير موعد بدء الدروس في المرحلة الثانوية فبدا أن الحضور والأداء تحسّنا إلا أنّ النشاطات الرياضية والأعمال بعد المدرسة تأثرت سلباً).
من وظائف قشرة الفص الجبهي المساعدة في التحكّم بمراكز الانفعال في الدماغ. وهنا يلعب المتهمون، الذين نطلق عليهم اسم هورمونات، دوراً.