تأخّر في النمو: من هي الأم التي لم تجعل ابنها يلتصق بجدار غرفتها كي تتأكد من أنه ينمو بشكل جيد؟ لتسجّل بكل فخر طوله على دفتر الصحة، وتتأمل منحنى نموه بسعادة. لكن هذا المنحنى يبقى بالنسبة إلى أطفال آخرين دون الحدّ الأدنى المطلوب بكثير أو أنه يسجّل انقطاعاً واضحاً غير طبيعيّ. وهذا ما يُسمى تأخّر في النمو أو فشل في النمو وهو يطال الوزن والطول على حدّ سواء.
قامة الأهل، معيار مهم
تُوجّه أصابع الاتهام إلى عامل الوراثة. فإن لم تكوني أنت وزوجك طويليّ القامة، فاحتمال أن يكون ولدك قصير القامة أكبر. حتى وإن كان الاستثناء يثبت القاعدة هنا! لكن طالما بقي النمو (الصغير) منتظماً، فلا داعي للقلق. احرصي على أن يتعايش ولدك بشكل جيد مع هذا الوضع وعلى ألا يكون محط سخريّة رفاقه في المدرسة. تشير الدكتورة بياتريس دي ماتشيو إلى أنّ “الولد يحتاج إلى تفسير لئلا تتحوّل مشكلته إلى إعاقة. ومن الجيد أن نلفت انتباهه إلى أنّ الكثير من رجال السياسة ومن المغنين نجحوا على الرغم من قصر قاماتهم أو أنّ والديه ليسا عملاقين وهما يبدوان سعيدين!”
هل نظام الولد الغذائي هو السبب؟
يمكن لنمو الطفل أن يتوقّف بشكل مفاجئ بعد أن كان منتظماً ومتسقاً. لم يسجّل طوله أيّ زيادة ولو سنتيمراً واحداً خلال الأسبوعين الماضيين! والمتهم هنا (لربما) هو سوء امتصاص الأغذية، وبشكل خاص الغلوتين وهو نوع من البروتين نجده في الطحين والبسكويت. وتشرح الدكتورة بياتريس دي ماتشيو: “في هذه الحالة، يصبح من الضروري اتباع نظام غذائي صارم طيلة الحياة. ما يفرض حذف النشويات والطحين من الأطعمة، وبالتالي يفرض على الأهل أن يقرأوا جيداً المكوّنات المذكورة على الملصقات.” لكن لا داعي للهلع، فبقليل من التنظيم، يمكنكم أن تنجحوا بسهولة!
ويمكن أن يُعزى تأخّر النمو عند الأطفال الصغار والرضّع إلى تغيير الحليب. ففي الوقت الراهن، يختار عدد من الأمهات أن يعطين الطفل البدائل عن الحليب أو الحليب النباتيّ (حليب الصويا، حليب اللوز أو الشوفان) الذي لا يمتلك على الرغم من تسميّته، خصائص الحليب “الحقيقي”. والنتيجة: فشل في نمو الطفل…
حالات مرضيّة كامنة متهمة؟
يمكن لأسباب طبيّة أكثر أن تؤخذ بعين الاعتبار: اضطرابات في الهرمونات (قصور في الغدة الدرقيّة، نقص في هرمون النمو)، فقر الدم، الأمراض المزمنة (فشل كلويّ…). تؤكّد الطبيبة بياتريس دي ماتشيو أنّ “العلاج يعتمد على المرض المسبب له، في حالات تأخّر النمو الواضحة الأسباب”. إن كان الولد يعاني من قصور في الغدة الدرقيّة على سبيل المثال، فسيُعطى هرمونات الغدة الدرقيّة. وفي حال تبيّن أنه يعاني من فقر الدم، فسيصف له الطبيب مكملات غذائية من الحديد. وإذا أشارت أصابع الاتهام إلى نقص في هرمون النمو، فقد يخضع للعلاج بهرمونات مصنّعة آمنة على المستوى الصحيّ. ويستمر العلاج حتى يبلغ سن الرشد. وتضيف الأخصائيّة: “إذا عولجت الحالة بشكل صحيح، فيمكن للطفل أن يعوّض فارق الطول في السنوات اللاحقة.”
لا تهملوا متابعة الولد عند ظهور تأخّر في النمو!
تبقى كلمة السرّ هي المراقبة، ما يؤكد أهمية المتابعة الطبيّة المنتظمة، بمعدل زيارتين في السنة إلى طبيب الأطفال: الأولى عند انتهاء فصل الشتاء والثانية قبل الدخول إلى المدرسة. عند ظهور أيّ خلل: المنحنى لا يتغيّر لوقت طويل أو يسجّل تراجعاً يثير القلق، سينصحكم الطبيب المعالج باستشارة أخصائي. سيطلب منكم هذا الأخير أن تجروا أولاً صورة أشعة لمعصم الطفل بغية تحديد عمره العظميّ. إن كان العمر العظمي متطابقاً مع العمر الحقيقي (الاثنان 10 سنوات)، فلا بد من إجراء تحريات أخرى: فحص دم وغدد، قياس الهرمونات، فحوصات وراثيّة… ويُعطى العلاج بحسب النتائج. لكن، إن كان العمر العظميّ متأخراً عن العمر الحقيقي، فاطمئنوا إذ يمكن لولدكم أن ينمو لاحقاً. إن كان سن المريض 10 سنوات فيما عمر العظم لا يتجاوز 6 سنوات فهذا يعني أنه ينمو بوتيرة أبطأ من الآخرين ليصل إلى الطول نفسه في نهاية المطاف. إنها مسألة وقت!
تأخّر في النمو: هل تعلمون؟
في بعض الحالات المتطرّفة، يمكن لسوء المعاملة المثبت والنقص العاطفي أن يفسرا التباطؤ في النمو، على غرار بطل فيلم المخرج فولكر شلوندورف، اوسكار طبل الصفيح، الذي قرر في سن الثالثة ألا ينضمّ أبداً إلى عالم الراشدين الكئيب جداً برأيه، وأن يتوقّف عن النمو.