كنتُ أظن أن التربية الإيجابية تعني أن نطلق العنان لأطفالنا وألا نقمعهم وأن نتيح لهم الفرصة للاستكشاف وتعلم اتخاذ القرارات بأنفسهم وتحمل المسؤولية. لكنني طيلة هذه المدة نسيتُ أمراً مهماً جداً.. نسيتُ وضع قوانين أو قواعد واضحة ومحددة في المنزل.
كل طفلٍ يتناول الطعام في الوقت الذي يحلو له، وينام في الوقت الذي يراه مناسباً، ويتناول القدر الذي يريده من الحلوى.
حياتنا اليومية كانت مليئة ب”ليس الآن أمي”، “لا أريد أن أقوم بهذا”، “أريد المزيد من الحلوى الآن”… لم تكن الجدالات تنتهي لأنني كنتُ أؤمن بضرورة التحدث مع الطفل وإتاحة المجال له كي يعبر عن رأيه وأفكاره ومشاعره. لكن الأمر زاد عن حده بشكلٍ غير مقبول. لماذا؟ لم يكن أطفالي السبب طبعاً. بل نظام الحياة الذي جعلتهم يعتادون عليه. لم يكن هناك قواعد واضحة ومحددة وصارمة لتنظيم حياتهم وجعلها أكثر سهولةً وسعادة.
كيف أدركتُ أن الوضع لم يعد مقبولاً؟
سبب لنا هذا الأمر الكثير من المتاعب.. والكثير من الخلافات الزوجية. انتقدني زوجي كثيراً على أسلوبي في تربية أطفالي. في الحقيقة لم يكن يقصد أن يقلل من قيمة جهدي وأسلوبي التربوي، بل كان يريدني أن أفهم أن الأمر تجاوز الحدود الطبيعية.
كان يغضب كثيراً حين تتأخر ابنتنا في الخروج من المنزل لمجرد أنها تريد اللعب بعد، أو حين يتأخر الأطفال في النوم ولا نحصل على بعض الوقت لأنفسنا، أو حين تعانده ابنتنا في أتفه الأمور الطبيعية كالجلوس لتناول الطعام او عدم الصعود على الطاولة.
شيئاً فشيئاً بدأتُ أرى الأمور من وجهة نظره، إلى أن واجهتُ الأمر وأدركتُ أن هناك مشكلة ومشكلة كبيرة أيضاً. وقررتُ حينها البدء بالتغيير ووضع بعض القواعد الواضحة التي لا جدال فيها. أولاً قمتُ بتفسير سبب وضع هذه القواعد لأطفالي، والعقاب على عدم الإلتزام. كالتالي:
في الساعة الثامنة مساءً يجب أن تكونوا جميعاً في السرير
- السبب: لأن النوم باكراً سيجلكم نشيطين في اليوم التالي ولأن السهر مضر بالصحة.
- العقاب: مَن لا يخلد إلى النوم في الوقت المحدد سيُمنع من اللعب على الجهاز اللوحي في اليوم التالي.
وقت تناول الطعام يجب ان تجلسوا على المائدة دون نقاش: - السبب: إنه وقتٌ لنكون جميعاً معاً. وماما ليست مجبرة على وضع الطعام عدة مرات في اليوم.
- العقاب: مَن لم يتناول الطعام على المائدة، لن يحصل على طعام إلى أن يأتي موعد الوجبة التالية.
بعد أن ننتهي من اللعب يجب أن توضبوا أغراضكم:
- السبب: يجب أن نحافظ على ألعابنا كي لا تضيع وكي نجدها حين نريد بسهولة أكبر حين تكون في المكان المخصص لها.
- العقاب: اللعبة التي تبقى على الأرض يتم وضعها في صندوق في مكان لا يستطيعون الوصول إليه لمدة أسبوع.
وهكذا دواليك… لدي ثلاث بنات، أصغرهن تبلغ سنتين. طبعاً لم تفهم ما قلته. لكن كان من السهل جداً التنبؤ بانها ستقوم بتقليد إخوتها تلقائياً.
طبعاً لم يقتصر الأمر على فكرة العقاب، اعتمدتُ فكرة قائمة السلوكيات، وكل مَن كان يجمع 5 نجوم لاصقة كان يحصل على مكافأة. كما أنني استعملت اللعب كطريقة لتشجيعهم على الالتزام بهذه القواعد في البداية.. “هيا مَن سيصل إلى السرير بشكلٍ أسرع؟”. او مثلاً لعبة تصنيف الألعاب أثناء التوضيب. أو فكرة وضع صور أنواع أطعمة صحية على نرد من كرتون، يرمونه كي يختاروا الطعام الصحي الذي سيتناولونه.
القواعد والقوانين لا تؤذي الأطفال بل تجعل حياتهم أسهل وتخفف من كثرة المشاكل والإصطدامات بينهم وبين الأهل. كما أنها لا تتعارض مع فكرة التربية الإيجابية بل تكملها.