على حافة الانهيار:
مروى امرأة من النوع السخي حتى وإن لم تكن تعتبر نفسها كذلك. هي جارة في قريتنا الصغيرة، التقيناها في مدرسة ابنتنا الصغرى. إنها مثقلة بالأعباء وتسابق الوقت الذي يمر بسرعة.
لديها ابنان، أحدهما يبلغ 3 سنوات من العمر والآخر 6 سنوات، وحياتها تفيض بالمهام والمسؤوليات التي لا حصر لها. عادة يكون لديها جدول زمني ثلاثي الأجزاء.
تسارع لإيصال أطفالها إلى المدرسة، وللذهاب إلى العمل، ومن ثم لإعادة أطفالها إلى المنزل، والذهاب للتسوق، والقيام ببعض الأعمال المنزلية بعد أن ينام جميع من في المنزل…
المساحة العقلية لديها محمّلة بما يفوق قدرتها لكنها تجد دائماً مكاناً لحفظ تاريخ دفع الأقساط والفواتير أو تاريخ التسجيل في المخيم الصيفي.
تعيش مروى لإسعاد الآخرين، وقليلون هم الأشخاص الذين يلاحظون ذلك ويقدرونه. بعد أن تلعب دورها كمساعدة في يومها المرهق، يبدأ الجزء الثاني من يومها.
الجزء المخصص للاعتناء بالأسرة، وللإهتمام بجولي الصغير الذي يستغرق ساعة و15 دقيقة ليتناول حساءه، وبغابرييل الذي يفعل الكثير ليلفت الأنظار ونهتم به أخيراً.
تودّ مروى لو تقول “كفى، لم أعد أحتمل المزيد”. لكنها تتحامل على نفسها وتفعل كل ما في وسعها لتبقى محبة حتى اللحظة التي تنفجر فيها.
وتشعر بالندم الشديد لأنها لم تتمكّن من السيطرة على نفسها.
يجب أن تكون مثالية، وهي تبذل قصارى جهدها لذلك.
يعطيها المحيطون بها ملاحظات ويصرّون:
- “يجب أن تكوني أكثر استرخاءً وتساهلاً”.
- “توقفي عن أخذ الأمور كلها على محمل الجد هكذا، ستصابين بنوبة قلبية في نهاية المطاف”.
- ” خففي من توترك..”
تومئ برأسها بحزن لأنها لم تكن على قدر المسؤولية وتؤكد أنّ عليها فعلاً أن تتغير.
فكرنا بمروى في الآونة الأخيرة. هي التي عليها أن تتكيف مع العمل عن بعد، وأن تعدّ ما يُشبه الزاوية الهادئة في شقتها لتتمكن من انجاز الحد الأدنى من المهام.
هي التي عليها أن تهتم بواجبات ولديها المنزلية وأنشطتهما، من دون أن يتمكنا من إفراغ طاقتهما خارج المنزل. إنها محور الطلبات كلها أكثر من أيّ وقت مضى.
مروى هي جارتنا وقد تكون أنتِ أو أختكِ أو صديقتكِ المقربة. حتى أن مروى تشبهني قليلاً. هذا المقال هو تكريم للأمهات المنهكات، إذ ما من أحد يبذل عناء توجيه كلمة شكر لكنّ على كل ما تقمن به وتتحمّلنه.
إذا كنتِ مثل” مروى “، فأنتِ شخص مذهل.
لديكِ طريقة في إدارة حياتكِ تستحق التقدير. وحتى لو كنتِ تتعايشين مع الوضع بصعوبة، اعلمي أنكِ تتمتعين بقوة ومهارات لا يمتلكها الكل من حولكِ.
صحيح أنكِ تبحثين عن كمال لا يمكن بلوغه. وصحيح أن عقلك يفيض بما يحتويه. صحيح أنكِ متطلبة. صحيح أنكِ تفقدين صبركِ. وصحيح أيضاً أنكِ نادراً ما تشعرين بالرضى.
لكن…
الشعور بالذنب.. هذا الشعور الأبدي بالذنب، رفيقكِ المخلص ليس صحياً دائماً، فهو يحرقكِ ببطء. لكنه المؤشر الأول الذي يظهر صفة عظيمة فيك:
أ نتِ تسعين دائماً إلى التغير نحو الأفضل. تفكرين وتحللين وتعيدين النظر. وأؤكد لك أنّ هذا ليس حال الجميع.وحتى لو فقدت السيطرة على نفسك من وقتٍ إلى آخر، أنتِ شخصٌ محبٌ بطبيعته.
تسعين إلى تقديم الأفضل لأطفالكِ، وللأشخاص المحيطين بكِ. الكل ينفجر غضباً. إنه أمر يحصل معي، رغم الأعوام التي أمضيتها في العمل على التحسين من نفسي.
وماذا في ذلك؟ هل هذا يعني أنكِ أم سيئة؟
إن شعوركِ بالذنب يثبت العكس. سعيكِ للبحث عن حلول على الإنترنت عندما تحصلين على دقيقتين من الوقت الفراغ، يثبت أنك لست أماً سيئة.
أنتِ شخص جميل ومتفانٍ وحساس. ولن يسلب منكِ أحد هذه السمات. أولئكَ الذين يطلبون منكِ “التخفيف من توترك” لا يفهمون شيئاً عن طريقة عملكِ.
كنتُ مثل” مروى ” وسأبقى أشبهها بعض الشيء.
ليس عليكِ أن تسكتي عقلك الذي يستمر بالتفكير، ومشاعرك المتدفقة، ورغبتك في تحسين نفسك خاصة في الوقت الحالي. إنها مصدر قوتكِ وما يجعلكِ ما أنتِ عليه الآن، امرأة فريدة ومختلفة.
لكن يمكنكِ أن تتقبلي نفسكِ كما أنتِ. وأن تتعلمي ما يساعدكِ على التعامل مع تصرفات وسلوكيات أطفالكِ بهدوء أكبر. ويمكنك أن تخففي الأعباء والمهام اليوميّة.
لا يتمتع الكل بقدرتكِ على إعادة حساباتك وتقويم أداءك وتعلّم أمور جديدة.