مع الأسف، لا يعيش الكثير من الأطفال وربما لن يعيشوا أبداً الظروف المثالية في الحياة. بعض الأطفال يفقدون أحد الوالدين أو يعيشون أيتاماً. كما يتعرض العديد من الأطفال إلى عنف جسدي ونفسي بينما يتعرّض آخرون لاعتداءات جنسية أو يتم اغتصابهم.
علاوة على ذلك، ثمة نوع من سوء المعاملة التي قلما يتم التحدث عنه، وقلما يتم لفت الإنتباه إليه لأنه حساس ودقيق وغالباً ما يكون غير جليّ: إنه إهمال الوالدين الذي يتميز عن غيره ليس بما يقوم به الأهل بل بما لا يقومون به من أجل الطفل. ويقول الطبيب النفسي للأطفال البروفيسور إيمانويل دي بيكر “إن إهمال الوالدين للطفل موضوع مهم للغاية”. “إنه انتهاك للاحتياجات الأساسية للطفل التي تساعده على تكوين شخصيته والنمو والتطور. إن إهمال الوالدين ليس عنفاً مرئياً نشطاً كما هو الحال حين يتعرّض الطفل للضرب أو الإساءة. يتعلق الأمر بطفل يتم إهماله، وعدم الانتباه إلى وجوده، طفل يتم نسيانه. يسبب هذا الإهمال أضراراً في البنيّة النفسية للطفل المعني وفي قدرته على إقامة العلاقات.”
الأشكال المختلفة لإهمال الوالدين
قد يكون الإهمال متعمداً أو غير متعمد. وقد يكون جلياً (يذهب الطفل إلى المدرسة بمظهر غير مرتب، أو بملابس متسخة أو غير مناسبة، أو لا يحمل معه وجبة خفيفة)، أو غير جلي وملموس، على الأقل إلى أن تظهر الآثار الأولى للإهمال عبر المعاناة والأعراض التي يتسبب بها.
يمكن أن يكون الإهمال مدمراً بسبب نقص الاعتناء والغذاء والحماية الجسدية الممنوحة للطفل. وقد يدمّره أيضاً بسبب نقص الحب والتواصل البشري معه ما يعيق تطوره.
في بعض الحالات، يسجن الإهمال الطفل في عزلة حسية، وينسف عقله ببطء وبشكل متواصل ما يحدّ من رغبته في الارتباط والتواصل مع الآخرين وفي استكشاف العالم. كما أن إهمال الوالدين نوع رهيب من الغياب.
يقول البوفيسور دو بيكير عن إهمال الوالدين “نلتقي أشكالاً متنوّعة جداً من الإهمال حيث لا ينقص الطفل شيئ على الصعيد المادي كما يقال، لكنه يعاني من نقص شديد على مستوى العلاقة وعلى المستوى العاطفي”.
والطفل الذي يعاني من إهمال والديه له لا يتحدث عن الأمر ما يجعل القدرة على كشف الحالة صعبةً جداً. يفسر الطبيب النفسي للأطفال ذلك قائلاً “حين يتعرّض الطفل لعنف جسدي أو جنسي، قد يتحدث عن الأمر لأنه مرئي”. “حين يتعلق الأمر بإهمال الوالدين، سيصمت الطفل ويتكيف بطريقة أو بأخرى، لأنه لطالما تلقّى هذه المعاملة من أسرته، وما من وضع سابق ووضع لاحق شهد تغيّراً، على عكس الإعتداء الجنسي والعنف الجسدي والنفسي حيث تتم العملية عادة بشكل تدريجي”.
ومن هنا تأتي أهمية التدقيق والتركيز أثناء محاولة رصد حالات إهمال الوالدين ومعالجتها في أسرع وقت ممكن.