علي أن أشكر أهلي:
هناك مفاهيم ورثناها عن أهلنا ومحيطنا الاجتماعي موجودة في خلفيتنا الاجتماعية والثقافية تمنعنا من ان نكون أهلاً صالحين كما نتمنى. هذه الأفكار التي تلقيناها تؤثر بطريقة أو بأخرى على الطريقة التي نتفاعل عبرها مع أطفالنا.
1- لقد كان أهلي يضربونني، وما زلتُ على قيد الحياة، حتى أنني أشكر أهلي وأقدرهم لأنهم ربوني بطريقة جيدة!
يذكر بيتر ليفين في كتابه “إيقاظ النمر: الشفاء من الصدمات” أن الكثير من ضحايا الصدمات أصبحوا مستسلمين لأعراضها (كآلام في البطن أو الظهر، صعوبة النوم، مزاج متقلب، أو حتى تدني مستويات الطاقة). هؤلاء الأشخاص لا يحاولون العثور على طريق توصلهم إلى حياة طبيعية وصحية سليمة (أو أنهم يتعاملون مع الأعراض دون التفكير في الأسباب). يلعب الإنكار وتجاهل الذكريات دوراً مهماً في الحفاظ على وضع الانسحاب هذا. ينكر هؤلاء الأشخاص إذاً أنهم تعرضوا لصدمة نفسية، ويؤكدون أن شيئاً لم يحصل لهم، ويصرون على أنهم لم يخافوا يوماً (وأنهم ما زالوا غير خائفين حتى الآن) وأنهم لم يتألموا (بعض الأطفال حتى يقولون هذه العبارة: “لم أتألم حتى!”).
مع ذلك، يجب الأخذ بعين الاعتبار أن هذا الإنكار هو نفسه أحد أعراض التعرض لصدمة نفسية. فالإنكار يساعدهم على الاستمرار في حياتهم وطريقة عملهم.
بالتالي فإن إنكار المعاناة بالتحديد هو ما يدفع الأشخاص الذين تعرضوا للضرب والتعنيف والعقاب إلى قول إنهم ما زالوا على قيد الحياة وإنهم يكنون الشكر والتقدير لأهلهم لأنهم سببوا لهم الألم “من أجل صالحهم”.
2- لولا العقاب، كنتُ سأتصرف بطريقة خاطئة. التربية دون عقاب تخلق أطفالاً أنانيين فاسدين.
“إذا استخدم أحدهم الضرب أو غضب وانفعل أمام الطفل/ سيعلمه ذلك أن يحل مشاكله عبر العنف.”– سيلين كيلين
قد تبدو فكرة عدم فعالية العقاب فكرة مستغربة لأننا نتخيل أنه في حال كانت تأثيرات العقاب غير مزعجة بما يكفي، لن يرغب الطفل بالخضوع وبالتالي لن يقوم بإعادة تنفيذ السلوك المعني. إلا أن العديد من العوامل تفسر عدم فعالية العقاب وحتى ضرره:
- لا يملك الطفل سيطرة كافية على سلوكه.
- حرمان الطفل سيزيد من حدة غضبه الأساسي.
- سيتدنى تقدير الطفل لذاته.
- لن يسمح له اندفاعه الغريزي بتخيل العواقب الطويلة المدى لسلوكه.
بالإضافة إلى ذلك، سيُطبّق تأثير “حين يغيب القط، ترقص الفئران”: حين لا يشعر الطفل بأن هناك تهديد أو خطر، لن يكون قد كوّن شعوراً بالمسؤولية أو مبدأً أخلاقياً قوياً بما يكفي للوصول إلى مرحلة الانضباط الذاتي.
إن تربية الأطفال دون عقاب لا تعني تركهم يفعلون كل ما يريدونه. يمكننا الاستماع إلى مشاعرهم، مع التمسك بكلمة “لا” لأن هذه الكلمة مرتبطة بقيمنا واحتياجاتنا، ولأننا نشعر بأننا أقوياء وكفؤين كأهل، ولأننا بهذه الطريقة نشعر بأنه تم اتخاذ كلامنا على محمل الجد.
العقاب لا يردع السلوك السيء. كل ما يؤدي إليه هو جعل الشخص المذنب أكثر حذراً وحرصاً في ارتكاب جرائمه، وأكثر دقةً في إخفاء آثاره وأكثر مهارةً في تجنب اكتشاف أمره.
“حين تتم معاقبة طفل، فإنه يقرر أن يصبح أكثر حرصاً لا أن يصبح أكثر صدقاً أو مسؤوليةً”- حاييم جينوت
كسر دائرة العنف المعتادة في أسلوب التربية: هو أمر صعب ولكنه ممكن
طبعاً من الصعب كسر دائرة العنف التربوي الطبيعية والخروج من آليات العنف الموروثة من الطفولة. على الرغم من صعوبة ذلك، إلا أنه لا يزال ممكناً.
- قرروا بشكل حازم عدم استخدام العنف التربوي مجدداً: اتخاذ تعهد بالالتزام اتجاه أنفسنا واتجاه الآخرين (خاصة الأطفال وشريك/ة حياتنا).
- صححوا السلوكيات عندما يكون هناك ميل نحو العنف في أسلوب التربية: مراجعة مع الطفل لما قلتموه أو ما قمتم به في السابق، تقديم الإعتذار، والاستماع إلى مشاعر الأطفال (الذين من الممكن أن يكونوا غاضبين من الشخص الراشد، فالغضب هو طريقتهم لاستعادة كبريائهم)
- تفسير وشرح أننا نسعى إلى تغيير سلوكنا،
- أن نطلب من الطفل مساعدتنا على تحديد ما يعتبرونه عنفاً وتذكير الوالدين بالالتزام بعدم استخدام العنف،
- إذا كان من الصعب جداً التغلب على آليات العنف هذه وتجاوزها، من الممكن طلب مساعدة أخصائي (معالج نفسي، مدرب للوالدين، ورشات تدريب حول التواصل بين الوالدين والطفل، وما إلى ذلك).
- اطرحوا على نفسكم السؤال التالي: “لأي سبب أتمنى أن يقوم طفلي بما أريده أن يفعله؟” (إذا كانت الإجابة تميل إلى المصلحة الشخصية، المتعة، المشاركة، الاستقلالية، وإرضاء النجاح، يصبح من الواضح أن الصراع على فرض السلطة لا مكان له في الأسرة).