حين تكون علاقتك مع أمك علاقة خاسر-خاسر
هناك أشخاص لو مهما حاولنا العثور على حلول لمشاكلنا معهم لن ننجح. يجرفوننا إلى مناطق مظلمة في ذاتنا، تلك الأماكن المكتظة بالأفكار السلبية التي ندور خلالها حول أنفسنا في حلقة مغلقة ونشعر بألا فرار منها إلى الأبد. أنا لا أبالغ. الأمر بمنتهى الخطورة. هؤلاء الأشخاص لن يشعروا بالراحة أو الانتصار إلا حين يجدوننا في موقف ضعف، لأنهم بهذه الطريقة سيتأكدون أن بإمكانهم التسلل إلى عقولنا وإعادة السيطرة على حياتنا بأسرها. وحتماً لا يستطيع أحد السيطرة على شخص قوي، يدرك مخططاتهم ويواجهها.. حينها سيكون لديهم خيارين إما إضعافه مجدداً كي يحكموا السيطرة أو تدميره كلياً.
ماذا لو كان الشخص الذي يحمل السمات التي ذُكِرتَ أعلاه أمك؟
تخيّل حينها خحم المعاناة وحجم الصراع، بين إقصاء وتقرب، بين نفور وانجذاب، بين كره ومحبة، بين خضوع وتمرد، بين خسارة ذاتك والاستسلام والعثور على ذاتك وفك قيودها إلى الأبد. إنه إعصار من المشاعر التي لا يمكن وصفها ببضع كلمات.
كيف لي أن ألوم أمي، وكيف لي أن أكرهها.. يا لهذا الجحود.. كيف لي أن أنسى كل ما فعلته لأجلي.. هو سؤالٌ لطالما طرحته على ذاتي خاصة في الآونة الأخيرة، حين بدأتُ أكتشف أسلوبها في التعامل معي. هي تحاول أن تقلل من شأني في كل لحظة وفي اي عمل أقوم به.. والهدف؟ أن تعيد السيطرة على تفاصيل حياتي. إنها شخص لا يستطيع أن يتحمل فكرة التنحي جانباُ والمراقبة من بعيد. هي تريد لكل شيء أن يسير بالضبط كما تريد وقتما تريد وبالطريقة التي تريد. أي محاولة لإبداء رأي مخالف تُقابل باستهزاء جارح صارم وتهكم غريب.
منذ فترة قريبة كنتُ أظن أنني السبب كما تقول. ان المشكلة تكمن في شخصيتي، في تصرفاتي، في أفكاري.. إلى أن اكتشفتُ أن المشكلة تكمن في عدم قدرتها على تقبلها لي كما أريد أن أكون. هي تريدني شخصاً يشبه تصوراتها المثالية الخرافية الخيالية العجيبة. تريد أن تشكّل سماتي وحتى عيوبي كما تشاء. تريد أن تحكم السيطرة حتى على مشاعري، كيف اغضب، كيف أحزن، كيف أفرح، مَن أحب، مَن أكره، مَن أدخله إلى حياتي ومَن أتخلى عنه. حتى لو حاولتُ أن أحقق رغباتها.. لا أستطيع.
والمشكلة الأكبر ظهرت حين بدأت تتدخل بطريقتي لتربية أطفالي. تريدني حتى أن أربيهم بالطريقة التي عشتُ فيها طفولتي. بنظرها كان كل شيء مثالياً. بنظري كان كل شيء كارثياً. كيف كانت تفضل أن نكون مرتبين و”مثاليين” على حساب طفولتنا بأسرها، على حساب مشاعرنا. كان من العادي بالنسبة إليها أن ننتقدنا باستمرار أمام الناس. كان من الطبيعي أن تستمر بتذكيرنا بأننا لا نستطيع القيام بأي شيء بدونها وأننا حتماً سنفشل إن حاولنا. لقد ألغتني، ألغت شخصيتي لسنوات لا تُحصى، ألغتني إلى أن كدتُ أنكر ذاتي. وحين بدأتُ أعلم أنني شخص مختلف، مستقل عنها وعن أفكارها، شخص له أفكاره وآراؤه الخاصة وأسلوب مختلف في الحياة… رفضتني.
حاولتُ أن أفسر لها مراراً وتكراراً أن هذه الطريقة لن تنجح، ولكنني لم أنجح. حاولتُ أن أذكرها أنها أمي وأنها يجب أن تكون مصدر دعمي وأن تساندني، لكنها استمرت في محاولاتها لتحطيمي. حاولتُ أن أشرح لها أن انتقاداتها السلبية لا تساعدني، بل تزيد وضعي سوءً وتخلق جواً من النفور لا أريده أن يسيطر بيننا، وتجعلني أشعر بأنني شخص فاشل عديم الجدوى… ولكن دون جدوى.
إلى ان اكتشفتُ أخيراً أن علاقتي بأمي هي علاقة خاسر-خاسر، وستستمر كذلك إلى الأبد. تلك العلاقة التي لا ينتصر فيها أحد، التي يخسر فيها الجميع باستمرار. كم يؤلمني أن أعترف أنها خسرتني وأنني خسرتُها إلى الأبد، لطالما تمنيتُ أن أغير رأيها بي، لطالما حاولت، إلا أن الأمور كانت تزداد سوءً في كل مرة. كنتُ أعود من معركة الحب التي أحاول إطلاقها بيننا خاسرةً، كنتُ أخسر في كل معركة بعضاً من كرامتي، وبعضاً من حبي لها، وبعضاً من حبي لنفسي، وبعضاً من ذاتي.
أطن أنه قد آن الأوان للحد من حجم الخسائر.. والاستسلام.