نفاد صبركم:
يتمتع بعض الأشخاص بقدرة فطريّة على الصبر الإيجابيّ، فهم يحافظون على هدوئهم وقلما يستخدمون العبارة الشهيرة “لصبري حدود!” أو حتى لا يستعملونها أبداً.
أنا لست من هؤلاء الأشخاص واضطررت بالتالي لأن أتعلّم كيف أنمّي صبري وأجعله يكبر. وأعترف بأنّ المشوار لم ينتهي بعد. تجدر الإشارة هنا إلى أنّ حدود الصبر متحركة بحسب كل شخص وحياته وبيئته ودرجة تقبّله وتجاوبه أو تعبه.
ماذا لو استطعنا أن نبقي تأثيرات هذه العوامل الخارجيّة محدودة أو ألا نتأثر بها أبداً؟
صبركم “السلبيّ” في مواجهة صبركم “الإيجابيّ”
يمكن ل”صبركم” الإيجابيّ أن يسمح بتحقيق ذلك خلافاً للصبر السلبيّ.
وينقسم الصبر الإيجابيّ إلى ست مراحل:
- • التوقّف عما تفعلينه والتوجّه نحو ولدك
- • الانتظار حتى تستحوذي على انتباه ولدك
- • التعبير عن طلبك أو صياغته
- • الطلب من ولدك أن يكرر طلبك
- • الانتظار
- • تشجيع الولد.
التوقّف عما تفعلينه والتوجّه نحو ولدك
تطلبين من ولدك المراهق أن يقوم بعمل ما… من الجهة الأخرى من الشقّة
إنّ عينيّ ولدك المراهق مسمّرتان على الشاشة منذ أكثر من ساعتين. عندما استيقظ هذا الصباح، وعدك بأن يساعدك عندما يحين الوقت، في إعداد الطاولة للغداء أو ترتيب الفوضى في المرآب أو فرز ملابسه وترتيبها في الخزانة.
تشعرين بالاستياء لرؤيته يلعب فيما أنت غارقة في أعمالك وتركضين في كافة أنحاء الشقّة لتعيدي إليها بعض الترتيب والتنظيم: غسيل ملابس، غسيل أطباق، تحضير الطعام، أعمال مكتبيّة، ألخ…
تودّين لو تسترخي قليلاً إلا أنك تعتقدين أنّ هذا غير ممكن طالما أنّ العمل الذي يُفترض أن يساعدك فيه ولدك لم ينتهِ بعد.
إذن، تتمنين أن ينضمّ إليك ولدك المراهق من دون أن يضيّع الوقت “ليقوم بالعمل الذي ينبغي القيام به” وتنادينه من الناحيّة الأخرى من الشقة لكنه لا يجيب ولا يتحرّك. هل ما زال هذا يفاجئك؟
لمَ لا يبدي ولدك المراهق أيّ ردّ فعل عندما تنادينه؟
لمَ لم يتحرّك؟ الأسباب عديدة وتتعدّى العشرات إنما الأسباب الأولى يمكن أن تكون كالتالي:
- • تختلف أولوياته عن أولوياتك
- • نسي ولدك المراهق تماماً أنك حضّرت له هذا النشاط الرائع
- • يعتقد أنك إذا ناديته من دون أن تأتي لرؤيته، فهذا يعني أنّ المسألة ليست مهمة أو عاجلة.
لكن المسألة مهمة بالنسبة إليك، ويجب عليه إذاً أن يدرك ذلك. بالتالي، عليك أن توقفي العمل الذي تقومين به أو أن تنتظري حتى تنهيه لتتوجّهي إليه حيث يتواجد وأن تقفي بقربه. سيستنتج عندئذ أنّ لديك ما تقولينه له.
تخيّلي أنك تصرخين لأحد الزملاء في الناحية الأخرى من المكتب المشترك الكبير: “هل نذهب إلى الاجتماع الآن. هل رأيت كم الساعة؟” أعلم أنّ بعض الأشخاص يفعلون ذلك إلا أنها ليست الطريقة المثلى لإقناعه بالتعاون!
انتظري حتى تستحوذي على انتباه ولدك
إذا وقفت أمام ابنك المراهق وبقيت هادئة ولم تتحركي ورحت تنظرين إليه فمن المؤكّد أنه سيتنبّه في نهاية الأمر لوجودك. كما سيصبح من الصعب عليه أن يتجاهلك. بالتالي، ستزيدين إلى أقصى حدّ فرص أن يستمع إليك عندما تتحدثين إليه. ولعله سيوقف النشاط الذي يقوم به ليسألك عن سبب وقوفك أمامه.
انتظري حتى ينظر إليك فهذا هو أساس التواصل.
قومي بصياغة طلبك
عندما ينظر إليك، تصبح اللحظة مؤاتية لكي تطلبي طلبك بشكل بسيط وواضح. غالباً ما تسمعين جملاً من نوع “لا يمكنني أن أتوقّف الآن” أو “الوقت غير مناسب، ألا ترين، أنا مشغول!”
وأميل أنا غالباً إلى أن أجيب “ستتمكّن من ايجاد وسيلة، فقد تمكّنت أنا من ذلك كما ترى” أو “اتفقنا على هذا في الصباح وذكّرتك بالأمر منذ عشر دقائق كي تستعدّ”.
أطلبي من ولدك أن يكرر طلبك
اشتركت منذ أعوام، وفي إطار عملي، في دورة تدريبيّة حول الحزم وهو القدرة على التعبير عن حقوقك والدفاع عنها من دون أن تمسّي بحقوق الآخرين.
وما لفتني في هذه الدورة التدريبيّة التي امتدت على ثلاثة أيام هو التقنيّة المستخدمة للتحقق من أنّ المعلومات المنقولة قد فُهمت جيداً، وكيفية جعل المخاطب يكرر الطلب الذي قلته للتو إنما بكلماته الخاصة.
ابقي أمام ولدك المراهق واطلبي منه أن يؤكّد لك أنه فهم طلبك وأنه سيأخذه بعين الاعتبار.
انتظري…. إنها اللحظة التي يخضع فيها صبرك لاختبار صعب.
شجّعي ولدك
يمكن لجمل كالتالية أن تعكس تعاطفك: “أشكرك لأنك استمعت إليّ” أو “أعلم أنّ هذا يتطلّب منك جهداً” أو “هذا ليس بالأمر الممتع جداً لكن دعنا نجعل منه لحظة متعة ومرح، لمَ لا؟”
ماذا عنك أنت؟
افعلي كما تقترح آن بايميرات: “جرّبي واكتشفي بنفسك.”
لا تعتمدي على الصبر حيث وحده الوقت قادر على أن يلعب دوراً بل امسكي بزمام الأمور لإحداث التغيير أو الدفع نحو الفعل. قد يبدو لك هذا مملاً، متعباً لا بل منهكاً لكن ومع مرور الوقت ستتراجع الحاجة لأنّ تفعلي هذا.
سيقوم ولدك بما هو مطلوب منه بشكل طبيعي لأنه سيشعر بأنه محترم. يسمح هذا الصبر الايجابي، وهو المثال الحقيقي على احترام الآخر، بنقل قيمك إليه بطريقة ايجابيّة. كما سيسمح لك بإرساء علاقات عائليّة هادئة.
إنّ المراهقين راشدو المستقبل الذين سينقلون بدورهم قيمهم الايجابيّة إلى أولادهم ومحيطهم.
دعونا نمنحهم هذه الفرصة!
قبل أن أنهي هذا المقال، توجّهت إلى غرفة ابني المراهق وانتظرت حتى رفع عينيه عن كتابه. عندئذ، شكرته لأنه عاد إلى المطبخ كي يساعد في رفع الأطباق عن الطاولة في حين أنه كان يركّز على واجباته المدرسيّة وعلى تعبه. اعترفت بجهده وقدّرته وقلت له إنّ تصرّفه يذكرني من جديد بأنه فتى لطيف.
في أيّ موقف ستستخدمين صبرك الايجابي؟ لا تترددي في مشاركتنا تجربتك في التعليقات أدناه!