حدود الأطفال: غالباً ما نسمع هذه المقولة الشهيرة “الحدود تسمح للطفل بأن يشعر أنه في أمان” بحيث أنها ترسّخت في أذهاننا…
كما أنّ مسألة “الحدود التي تشعره بالأمان” تناسبنا تماماً! فهي تسمح لنا بالتخلّص تماماً من أيّ شعور بالذنب: “إن كان هذا يُشعر ولدي بالأمان (كما يجعله هادئاً ومطيعاً)، فسأضع له حدوداً وأفرض عليه محظورات… وسأعرف كيف أتصرّف بحزم!”
لعلنا نبالغ قليلاً… إلا أننا نحتاج نحن أيضاً إلى توضيحات: هل علينا أن نفرض قيوداً أو حدوداً على الولد أم لا؟ طرحنا السؤال على الأخصائيّة في هذا المجال وطلبنا منها بعض التفاصيل.
هيكلية، إطار، قواعد وإرشادات: نعم
محظورات وقيود وحدود: لا
هل ينبغي أن نفرض قيوداً أو حدوداً معيّنة على طفلنا؟
- لا أقول إنه لا ينبغي وضع حدود، لكن هذه الحدود أو القيود التي نفرضها على الطفل ليست ما يمنحه وبكل بساطة الشعور بالأمان. فالتربيّة الإيجابيّة تستند إلى نظرية رابط التعلّق التي تقول إنّ ما يُشعر الطفل بالأمان أكثر هو الحب والاهتمام اللذان يظهرهما له أهله فضلاً عن هيكلية الوقت والزمان التي ينظّمانها من حوله، والقواعد والإرشادات وليس “المحظورات والقيود والحدود.”
- يجب أن نفكّر بطريقة مختلفة: فبدلاً من “إحباط” الطفل عبر فرض “محظورات وقيود” عليه بشكل متسلّط، دعونا نساعده على أن يندمج مع العالم عبر إعطائه “إرشادات”، ووضع قواعد (واضحة وحازمة) له وعبر تعليمه أن يحترمها.
- القواعد مفيدة فهي التي تشعره بالأمان وليس المحظورات! عندما نلعب لعبة فهي تتضمن قواعد تنظّم العلاقة بين اللاعبين، ولا نلعب مع محظورات وحدود وقيود. وينطبق الأمر نفسه على الحياة! نحن نحتاج إلى قواعد كي نعيش معاً.
- فالقيود والمحظورات ستثير الرغبة في انتهاكها، ما يجعلها غير مثمرة وحتى خطيرة في بعض الأحيان. “يجب الحدّ من كميّة السكاكر”… في الواقع، من الأفضّل أن نحدد الكميّة لا أن نحدّها. نعم، إنها مسألة كلمات، والكلمات مهمة جداً لأنها تثير ردود أفعال مختلفة في الدماغ: “لن تأكل أكثر من 3 قطع من السكاكر” أو “يمكنك أن تحصل على 3 قطع من السكاكر. هل تريد أن تعدّها؟” إنها الكميّة نفسها من السكاكر، لكن الولد يشعر بأنه مقيّد في الحالة الأولى.
- إنّ كلمة “قيود أو حدود” هي التي لا تناسبني: إنها تفرض حداً، وتقيّد الولد. وأنا أقابل الكثير من الراشدين المقيّدين في التعبير عن مشاعرهم وأفكارهم، في إبداعهم، في قدراتهم، في حياتهم لأنهم خضعوا لقيود وحدود أكثر مما منحوا أذونات. والقيود تجعل الفرد يحبس نفسه وينغلق على ذاته.
- من ناحية الطفل: يمكن أن يعيشها كشخص محدود أو مقيّد ويستنتج: “لا يحق لي، لا أستطيع، يمنع عليّ، الخ…)، لاسيّما وأنّ الأهل ينشغلون معظم الوقت بوضع القيود والحدود بحيث لا يخطر لهم أن يضيفوا الإذن. نادراً ما تترافق عبارة “يُمنع عليك أن تقفز على الكنبة” مع عبارة “أرى أنك تحتاج لأن تقفز، تعال سنلعب لعبة القفز في مكان يسمح بذلك.” مما لا شكّ فيه أننا كأهل مضطرون لأن نمنع عدداً من التصرّفات، لكن هل علينا أن نسمّي هذا المنع “فرض قيود”؟
- من ناحية الأهل: “فرض قيود” يجعل الأهل يرون الولد من زاوية تشوّه نظرتهم. فيُنظر إلى الطفل على أنه مزعج، عاجز عن السيطرة على طاقته وعن التحكّم بتصرفاته. وما العمل عندما يتجاوز الطفل الحدود؟ وهو ما سيفعله بالتأكيد بين لحظة وأخرى، لاسيّما وأننا وجّهنا دماغه، عند الإشارة إلى الحدود، نحو هذه الحدود. القصاص يلوح في الأفق… حتى لو أسميناه عقاباً، فهذا الأخير يحول دون أن نأخذ بعين الاعتبار ما يحصل للطفل على المستوى العاطفيّ.
- أنا استبدل دائماً كلمة قيود في أغلب الأحيان بكلمة حدود بمعنى تلك التي تحدد مساحة معيّنة أو أرض معيّنة، ويمكن أن أنظر إليها على أنها حدّ (أنا مسجونة إذاً ضمن أرض أو مساحة معيّنة) أو أنها خط يفصل بين مساحتين. ويكمن دورنا نحن كأهل في أن نواكب أولادنا كي يتمكنوا من الذهاب أبعد من حدودهم.