Site icon التربية الذكية

الولد الذي يسيء التصرّف لديه دوماً ما يقوله لنا… وعلينا أن نكتشف ما هو !

معالجة المسائل التربوية

premium freepik license

معالجة المسائل التربوية: يتوافق العديد من الكتب التي تعالج المسائل التربوية على النقطة التاليّة: يمكن للأولاد أن يبعثوا رسائل “مخفيّة” يصعب على الأهل فكّ رموزها، سواء عبر سلوكيات غير لائقة أو انفعالات غير مترابطة لا بل غير متناسبة مع الوضع الفعليّ.

في هذه الحالة، نميل نحن الأهل إلى المبالغة في رد فعلنا: فإما أن نفقد أعصابنا لشدة استيائنا، وإما أن ندخل في لعبة من الأقوى مع الولد وإما أن نقدّم تبريرات وشروح لا نهاية لها. لكن ايزابيل فيليوزا كتبت أنّ 

انفعالكم يشير إلى أنّ الشعور الذي يظهر يخفي شعوراً آخر. ثمة جرح آخر، مشكلة أخرى، نقص آخر من الضروري والمهم على الأرجح أن نصغي إليه”.

عندما لا يتمكّن الولد من التعبير عن شعور داخلي قويّ، فسيميل إلى تمويهه، إلى تحويله إلى بدائل أخرى (يمكن أن يكون فستاناً أو كلباً كما يمكن أن يكون أيضاً الواجبات المنزليّة أو الأخ الأصغر سناً…). يجد الولد أيّ حجة ليتمكّن من تفريغ طاقته فيصبح من الصعب على الأهل أن يحددوا الشعور الحقيقي الذي يشير إلى الحاجة الحقيقيّة.

حاجات الأولاد الأساسيّة

تقدّر جاين نيلسن في التربيّة الإيجابيّة أنّ ثمة حاجتين عاطفيتين أساسيتين لدى الأطفال:

يحتاج الأولاد بشكل خاص لأن يشعروا بأنهم على قدر التوقّعات، وأن مساهماتهم الشخصيّة مهمة وأن حضورهم مرغوب فيه. وتشير إلى أنّ الولد الذي يسيء التصرّف هو ولد محبط لم يتم تشجيعه. إنّ السلوك غير اللائق رسالة مشفّرة يبعثها الولد الذي يشعر بالإحباط لأنّ الحاجتين الأساسيتين عنده لم تتم تلبيتهما. إنّ الرسالة الحقيقيّة التي تختبئ خلف السلوك غير اللائق تعود إلى إحدى هاتين الحاجتين: “أريد دليلاً على الانتماء إلى المجموعة، العائلة، الصف…” أو “أريد أن أكون مهماً”.

الأهداف السراب أو الوهميّة بحسب التربية الإيجابيّة

تشير جاين نيلسن التي ألهمها هي نفسها رودولف دريكورس إلى وجود أربعة أهداف سراب يميل نحوها الأطفال عندما يشعرون بالإحباط. وتوصف هذه الأهداف بالسراب لأنها تستند إلى اعتقادات خاطئة صاغها الطفل في ذهنه (على سبيل المثال: أنا مهم بالنسبة إلى أمي إن اهتمت بي أنا وحدي فقط أولا أشعر بالانتماء إلىالمجموعةإلاإذاكنتزعيمها).

على أيّ حال، يقضي دورنا كأهل بأن نجد الوسائل لكي نفهم ما يحاول الولد أن يقوله لنا بطريقة غير مباشرة وأن نفكّ رموز سلوكه لنعود إلى الحاجات الأساسيّة. أما الأسئلة التي علينا أن نطرحها على أنفسنا فهي كالتالي:

كيف نساعد الطفل على الشعور بالانتماء والأهمية؟

ما هي الحاجات التي يخفيها خلف السلوكيات غير اللائقة؟

تؤكّد جيزيل جورج على هذا الاستنتاج في كتابها “مللت الصراخ”:

إذا استمر سلوك ما على الرغم من صراخكم المتكرر والقصاص والتفسير والشرح فهذا يعني أنكم لم تجدوا ما يحاول الصغير الحصول عليه والذي غالباً ما يعتبر أنّ المكسب أو الفائدة منه أكبر بكثير من كل التأنيب الذي يتعرّض له.

كيف نفكّ رموز مشاعر الأولاد ونفهمها؟

عكس المشاعر: إنصات، احترام، وتعاطف

عندما يكون الطفل غاضباً أو تعيساً، فكل ما يريده هو أن نفهمه ونسانده وأن يتلقّى إشارات وأدلة على حبنا له. تسمح تقنية المشاعر المعكوسة التي وضعها الدكتور كارل روجرز (والتي جددها وطورّها توماس غوردون تحت اسم الإنصات الإيجابي) بأن نظهر للطفل أننا نفهم فعلاً ما يشعر به عبر ترجمة مشاعره بكلماتنا الخاصة وعبر عكسها له كالمرآة.

إنّ عكس المشاعر هو دعوة للتحدّث يوجهها الأهل إلى الطفل وهو يساعد الأولاد على اكتشاف ما يشعرون به فعلاً. يتطلّب الإنصات الايجابيّ أن نفهم السبب الذي جعل الطفل في هذه الحالة من دون أن نسأله! لا تقوم المسألة على تكرار ما يقوله الطفل بل على إعادة صياغته مع تقديم فرضيّات. فعندما يقول الولد مثلاً إنه يكره المدرسة، حاولوا أن تجيبوه “تكره كل شيء تقريباً في المدرسة” أو يمكن أن تصيغوا الكلام على شكل سؤال “هل تكره فعلاً كل ما له علاقة بالمدرسة؟”

ثمة احتمال أن يجيب الطفل بأنه لا يكره كل شيء فيها. عندئذ، يتوجّب على الأهل أن يستغلوا الفرصة للنقاش: “أنت تكره شيئاً محدداً، أليس كذلك؟”

يتطلّب عكس مشاعر الطفل أن نترك جانباً الآراء والمشاعر الشخصيّة لننصت إليه بشكل أفضل ونفك رموز مشاعره ونفهمها. وتتميّز هذه التقنيّة بأنها تتكيّف ذاتياً: إذا أخطأنا في تقدير ما يريد الطفل قوله، فسيصحح لنا بالتأكيد (شرط أن نكون مستعدين لكي نتقبّل أنّ مشاعر طفلنا تختلف عن مشاعرنا).

إليكم لائحة بالكلمات التي تقترحها ايزابيل فيليوزا في كتابها في قلب مشاعر الطفل:

جواب ايجابيّ ومشجّع من الاهتمام الإيجابي (بحسب الأهداف السراب الأربعة)

في كتابها التربيّة الايجابية، تقدّم جاين نيلسن بعض الخيوط بحسب الأهداف السراب الأربعة التي يلاحقها الطفل:

1- استرعاء الانتباه ليقول “لاحظوا وجودي”، “أشركوني”

اشركوا الولد في مهام مفيدة تجعله يتحمّل المسؤولية

يمكن أن تفعلوا ذلك عبر جمل مثل “أحتاج إليك/إلى مساعدتك ل….”، “لن أتمكّن من أن أفعل كذا من دونك”.

أما بالنسبة إلى الطفل الذي يرفض أن يمسك بيد أمه في الشارع أو المتاجر، فلمَ لا نترك له الخيار؟ إذا أردتم أن تجتازوا الشارع، فاسأليه: “هل تفضّل أن تمسك بيدي أو أن تسير أمامي إنما من دون أن تركض؟” أو “هل تفضّل أن تمسك بيدي أو بيد أبيك/لعبتك/جدتك…؟”

يمكنك أيضاً أن تحمّليه مسؤوليات صغيرة في المتاجر (أن يجلب غرضاً معيّناً، أن يجري مسحاً لمعرفة ثمنه، أن يحمل غرضاً ما طيلة فترة التبضّع…)

• ضعي خطة لأوقات الاهتمام الحصريّة وغير المشتركة

• اعتمدي إشارات، رموز غير لفظيّة

غمزة مثلاً لتقولي له “أنا أفكر فيك”، وضع اليد اليمنى على القلب لتقولي له “أحبك”.

• قولي ما لديك مرة واحدة وافعلي ما عليك أن تفعليه/عودي إلى ما كنت تفعلينه

يمكنك أن تستخدمي جملاً مثل “أنت مهم بالنسبة إليّأحبك وسأقضي بعض الوقت معك لاحقاً.”

والوعد دين: إذا وعدته ببعض الوقت الحصري معه في وقت لاحق، فافعلي ذلك (… وإلا يمكنك أن تشطبي هذه الوسيلة من صندوق الأدوات المتاحة لك!).

2- فرض السلطة ليقول “دعوني أشارك”، “أعطوني خيارات”.

• استخدمي بحكمة فترة الاستراحة/الوقت المستقطع

لا نعني هنا أن “تضعي الطفل في الزاوية” أو أن ترسليه بسلطة إلى غرفته حتى يهدأ بل أن تتقبّلي أنّ لا فائدة من البحث عن الحلول في خضم الخلاف أو النزاع. يجب شرح وقت الاستراحة أو الوقت المستقطع على أنه وقت العودة إلى الهدوء، بما أنّ الهدوء هو الشرط المسبق لحلّ أيّ خلاف.

تقترح جاين نيلسون حتى أنّ ينشئ الأولاد مساحتهم الخاصة لهذا الوقت: كيف يكون شكلها وما الذي سيفعله الولد فيها (يرسم؟ ينام؟ يقرأ؟ يمارس الرياضة؟). يمكن للأم/الأب أن تطرح عندئذ السؤال التالي: “ما الذي يمكن أن يساعدك أكثر: أن تذهب لتستعيد هدوئك في فترة استراحة أم تشعر بأنك قادر على أن تغيّر سلوكك على الفور؟”. ويمكن للأم/الأب أن تقترح على الصغار جداً أو الأولاد الأكبر سناً الغاضبين جداً إن كانوا يرغبون في أن يواكبهم أحد.

تُعتبر فترة الاستراحة/الوقت المستقطع مرحلة يليها حلّ للنزاع يقوم على التعاون بعد أن يستعيد الجميع هدوئه (نعم، نعم، بما في ذلك الأهل… الذين يمكنهم أن يستفيدوا من فترة الاستراحة/الوقت المستقطع أيضاً!).

هذا ما أفعله في أغلب الأحيان مع ابنتي: هل أساعدك على ارتداء ملابسك أم ترتدينها وحدك؟ هل أبدأ من الأعلى أم من الأسفل؟ أتفضّل أن تضع أدوات المائدة أم الكؤؤس؟

• قرري ما ستفعلينه أنت وليس ما ستجعلينهم يفعلونه

بالتالي، وبدلاً من أن تطلبي من ولدك أن يضع غسيله المتسخ في سلّة الغسيل (عليه هو أن يفعل شيئاً)، أكّدي له أنك لن تغسلي سوى الغسيل الموجود في السلّة. إنها قاعدة حازمة، حاسمة، غير قابلة للتفاوض ويعرفها الجميع. يبقى الأهم أن تتمسّكي بها.

• دعي الروتين والطقوس تسود

لنأخذ على سبيل المثال تنظيف الأسنان، اختاري مع طفلك أغنيّة تدوم ما بين دقيقتين وثلاث دقائق. ستكون هذه الأغنيّة أغنية الأسنان: الإشارة إلى موعد تنظيف الأسنان ووقت التنظيف الذي ينبغي احترامه. ولعل الأفضل هنا هو أن يختار أولادك الأغنية بأنفسهم!

3- الانتقام ليقول “ساعدوني”، “أنا أعاني في داخلي”. 

• استخدمي الإنصات الإيجابيّ والمشاعر المعكوسة

يسمح الإنصات الإيجابيّ بالاعتناء بمشاعر العذاب والألم التي يحملها ولدك، وبمشاركته مشاعره، وبإظهار أننا نحسّ بأننا معنيون، وبألا نشعر بأننا مستهدفون شخصياً وبأن نقرّ في نهاية الأمر بمسؤولياتنا ونتحمّلها.

أتذكّر أنّ ابنتي كانت ترسم ملصقات قبل أن نتناول الطعام فسألتها ونحن نجلس إلى المائدة ما إذا استمتعت بوقتها وما هو لون ملصقاتها وإن كانت ترغب في تقديمها لأحد ما. فشعرت حكماً بالرغبة في أن تحضرها لتريني إياها. كبتت رغبتي في أن أقول لها بأن تبقى مكانها ولا تنهض عن الطاولة… إنما كان يتوجّب عليّ أنا ألا أحدّثها عن ملصقاتها. لقد أثرت في داخلها رغبة لا تقاوم ومنعها من الذهاب لإحضارها يمكن أن يتحوّل إلى مأساة عائليّة. أخيراً، عادت سريعاً إلى الطاولة، فنظرت إلى الورقة ووصفت الألوان والأشكال التي رأيتها ثم طلبت منها أن تضعها خلف الطاولة كي نتمكّن من تناول الطعام من دون أنّ تصل إليها أيّ بقع. النتيجة: وجبة انتهت بشكل جميل!

أوقات تبادل الأحاديث ضمن العائلة هي “فرصة منتظمة ومخطط لها تمتد من 15 إلى 30 دقيقة في الأسبوع لتتعلموا أن تتواصلوا معاً بشكل ايجابي، وأن تركّزوا معاً على الحلول التي تسهّل متعة العيش معاً وأن تطوّروا المهارات الاجتماعية الضرورية لكي يتفتح كل فرد من أفراد الأسرة بشكل كامل.”

4- تعزيز قناعته بعجزه ليقول “لا تتخلوا عني”، “مدوا لي يد العون”

إنه مبدأ الخطوة تلو الخطوة أو منهج كايزن (التحسين المستمر). يجري التحسّن أو التقدّم على مراحل أيّ مرحلة تلو الأخرى لأننا ننطلق من مبدأ أنّ ليس هناك مهمة كبرى لا يمكن تقسيمها إلى مهام عدة فرعيّة أصغر.  يمكن لمنهج كايزن أن يساعدك في الحياة اليوميّة، سواء في مسألة الواجبات المدرسيّة أو في ترتيب الغرفة.

• وضع الولد في حالة نجاح

لا ينبغي أن ينحصر إدراك الولد بما يفلح فيه في المدرسة فقط بل يجب أن يدرك أيضاً ما ينجح في فعله خارجها (يعرف كيف يرقص الهيب هوب، تتقن لعبة كرة السلة، يجيد العزف على البيانو، تجيد القيام بحركة تباعد الساقين، يجيد إعداد قالب من الحلوى وحده، تعرف كيف تغيّر اللمبة وحدها، سجّل هدف الفوز، ساعدت صديقتها في إنهاء العرض الشفهي…)

يمكن تسجيل هذه النجاحات والانتصارات في كتيّب للنجاحات يعود إليه الطفل لكي يستعيد ثقته بنفسه.

يسمح النجاح والتقدّم في مجال خارج الدراسة بأن يمنح الولد قيمة إضافية. ويتم الإحتفاء بكل نجاح وتسجيله في الكتيّب.

• تشجيع كل مبادرة في المنزل وخارجه

إنّ تثمين النجاحات يزيد من قيمة الطفل: حتى لو حصل على درجة سيئة في المدرسة، ثمّنوا ما أنجزه، والتمارين التي نجح في إنهائها بشكل صحيح، والتقدّم الذي حققه مقارنة مع الامتحان السابق.

الأسئلة المفتوحة: التعلّم الحقيقيّ يتحرّك من الداخل نحو الخارج

يتفق كل أخصائيي التربيّة على هذه النقطة: من الأفضل أن نتجنّب طرح سؤال لماذا؟ عندما نسعى إلى فهم مشاعر وسلوكيات الطفل (كان لديّ أنا نفسي هذه العادة. وعلى الرغم من أنها غير فعّالة، إلا أنني أجد صعوبة في التخلّص منها وهي غالباً ما تكون ردّ فعلي الأول). يُنظر إلى سؤال “لماذا” على أنه تدخّلي ويثير الشعور بالذنب.

بفضل الأسئلة المفتوحة، يمكن للولد أن يكتشف الموارد الخاصة به بدلاً من أن يتلقّى النصائح والقواعد والمواعظ أو الأحكام المفروضة من الخارج.

3 أنواع من الأسئلة المفتوحة بحسب المشاكل التي نواجهها:
1- التحدّث عن الوضع والتعبير عن المشاعر

تتحدّث جاين نيلسون عن أسئلة الفضول وتحددها على أنها “أسئلة تشير إلى رغبة حقيقيّة في الفهم وتساعد على التقدّم.”

2- نزع فتيل لعبة القوى أو إبطالها

نحن نميل غالباً لأن “نقول” لأولادنا بدلاً من أن “نسألهم”، علماً أنّ بعض الأوامر التي تتبلور بصورة لعبة قوى يمكن أن تصبح أسئلة تدعو إلى التعاون وتعطي رغبة في الالتزام.

“لاتنسى معطفك” تصبح “يبدو أنّ الطقس بارد، ماالذي سترتدي هل كي تشعر بالدفء؟”

“نظّف أسنانك” تصبح “ما الذي علينا أن نفعله لتصبح أسناننا نظيفة؟” “ما الذي علينا ألا ننسا هل نتجنّب تسوّس الأسنان؟”

“اخلد إلى النوم”تصبح “في أيّ ساعة قررنا أن تخلد إلى النوم؟”

3- استكشاف النتائج

يمنح البحث عن الحلول الفرصة للأولاد كي يتعلّموا ويفكّروا ويفهموا بأنفسهم، وأن يميّزوا ويختاروا من بين حلول عدة، وأن يتحلّوا بالمسؤوليّة وأن يتحملوا نتائج أفعالهم وأن يصبحوا أقوى في تقديم الاقتراحات.

الخلاصة هي أنّ الولد الذي يسيء التصرّف لديه دوماً ما يقوله لنا… ويبقى علينا أن نكتشف ما يريد قوله.

Exit mobile version