الطريقة التي تربي الأم طفلها بها خلال أول سنتين من حياته تحدد درجة تطور دماغه
انظر بانتباه إلى هذه الصورة، نلاحظ هنا دماغي ولدين عمرهما ثلاث سنوات. من الواضح أن دماغ الولد الأيسر أكبر بكثير من الأيمن.
في الصورة على اليسار أيضاً، المناطق “الضبابية” القاتمة اللون أقل بكثير.
صور لدماغ طفلين بعمر ثلاث سنوات تظهر بوضوح تأثيرات الإهمال
بالنسبة لعلماء الأعصاب الذين يدرسون الدماغ ويعملون على دراسة الصور، الفرق بين الدماغين مدهش ويمثل تحدياً. الدماغ في الصورة اليمنى لا يمتلك بعض المناطق الأساسية جداً الموجودة في الصورة اليسرى. هذه الأشياء الناقصة تمنع هذا الولد من أن يطوّر القدرات التي يمتلكها الولد على اليسار : الطفل على اليمين سيصبح بالغاً أقل ذكاءً، أقل قابلية للتواصل مع الآخرين، أكثر استعداداً للتورط في الإدمان وارتكاب الجرائم العنيفة من الطفل على اليسار. يُخشى أن يصبح الطفل على اليمين في المستقبل عاطلاً عن العمل وأقل قابلية للاندماج في المجتمع، وأن يكون لديه مشاكل صحية عقلية ومشاكل أخرى صحية خطيرة.
الفرق الرئيسي بين دماغي هذين الطفلين، بعمر ثلاث سنوات، يكمن في الطريقة التي عاملتهما بها أمهما. الطفل الذي يبدو أن دماغه متطور أكثر، لديه أم اعتنت به جيداً، وكانت حساسة تماماً وبشكل مستمر تجاه حاجات طفلها. الولد ذو الدماغ المنكمش تعرض للإهمال ولسوء المعاملة. هذا الفرق في التعامل يشرح لماذا ينمو دماغ ولد بشكل كامل ولا ينمو دماغ ولد آخر.
بدأ علماء الأعصاب حديثاً بفهم كيف يحدد التفاعل بين الأم وطفلها درجة تطور الدماغ.
درس البروفسور آلان سكور، من جامعة أوكلا، الأدب العلمي وتوصل إلى دراسات كثيرة تؤكد أن نمو الخلايا الدماغية هو “نتيجة تفاعل الطفل الرضيع مع الشخص الذي يعتني به أساساً (عادةً ما يكون الأم)”.
نمو دماغ الطفل “يتطلب تفاعلاً إيجابياً بين الأم والطفل. وتطوّر الدوائر العصبية في الدماغ يتعلق بهذا الأمر”.
يؤكد البروفسور سكور أنه إذا لم يُعامل الطفل بشكل سليم في خلال السنتين الأوليين من حياته، فإن الجينات بالنسبة لمختلف جوانب الوظائف الدماغية، بما فيها الذكاء، لا يمكن أن تعمل وحتى قد لا تعود موجودة. تتأثر جينات الطفل، بشكل عميق، بالطريقة التي نعامله بها.
هناك مجموعة من الأدلة المهمة جداً التي تثبت أن الطريقة التي نتعامل بها مع الطفل في خلال السنتين الأوليين من حياته تحدد إذا كان دماغه سيعمل بكامل طاقته عندما يكبر.
مقدار الاذى الذي يتسبب به الإهمال وأشكال أخرى من سوء المعاملة هو تدريجي : كلما كان الإهمال أكبر، كان الأذى أهم. %80 من الخلايا الدماغية تُصنع في خلال السنتين الأوليين بعد الولادة. إذا سارت عمليات بناء خلايا الدماغ والوصلات بينها بشكل سيء، فالخلل سيكون دائماً.
هذا الاكتشاف له انعكاسات ضخمة على السياسة الاجتماعية. إنه يشرح مشكلتين دائمتين في مجتمعنا. إحداهما هي الطريقة التي يحدث بها الحرمان المزمن عبر الأجيال في نفس العائلة. هناك دورة مستمرة من الحرمان، تدني مستوى التعليم، البطالة الدائمة، الفقر، الإدمان، الجريمة، التي تأكد تقريباً أنه من المستحيل أن نكسرها في العائلة إذا كانت موجودة.
الطريقة التي يرتبط بها تطور دماغ الطفل مع طريقة معاملة أمه له، تشرح لماذا تحدث هذه الدورة وتستمر. الأهل الذين أهملهم أهلهم، يكون دماغهم غير مكتمل النمو، فيهملون أولادهم بنفس الطريقة : سيعاني دماغ أولادهم من نفس النقص في النمو الذي حطّم حياتهم هم. سيكونون هم أيضاً معرضون للفشل في المدرسة، للإدمان، لعدم القدرة على الحصول على عمل، للميل نحو العنف.
لقد عانى الأهل من الإهمال خلال أول سنتين من حياتهم، وهذا منع دماغهم من أن يكبر. بالنتيجة، قد يكونون غير قادرين على الاستجابة لنفس نظام العقوبات والمكافآت الذي يرشد أولئك الذين لديهم دماغ أكثر تطوراً بعيداً عن الجريمة.
هذه النتيجة قد تقودكم إلى استنتاج أننا لا يمكن أن نفعل شيئاً بخصوص المشاكل الاجتماعية التي تنتج عن إهمال الولد. ولكن هذا خطأ. هناك طريقة لقطع هذه الدورة، ومن السهل نسبياً وضعها موضع التطبيق. إنها ترتكز على التدخل الباكر وتوعية الأمهات المهملات كي يعاملن أولادهن بطريقة تسمح للدماغ أن ينمو بكل حرية.
تم تجربة طريقة التدخل المبكر في بعض مناطق الولايات المتحدة طوال أكثر من 15 سنة. إنها ترتكز على زيارة الأمهات المهملات بشكل منتظم (على الاقل مرة أسبوعياً) من قبل ممرضة تشرح لهن كيف يعتنين بالمولود الجديد.
معطيات مدينة ألميرا في ولاية نيويورك، تشير إلى أن الأولاد الذين تلقى أهلهم هذه الزيارات كانوا أفضل بكثير من الأولاد الذين لم تدخل أمهاتهم في هذا البرنامج. مثلاً، 50 % توقيف أقل، 80 % أحكام أقل ونسبة إدمان على المخدرات أقل بكثير.
يقول الأخصائي غراهام آلن “ليس هناك شك في أن التدخل المبكر يمكن أن يؤمن مساهمة ضخمة في تحسين المجتمع”.