هل أطفالنا في طور التحول إلى جيل جديد ؟
بلوغ مبكر، توحد، نشاط زائد، حساسية خارقة…
يبدو أن الأجيال الجديدة “تفقس” نماذج وشخصيات غريبة أكثر فأكثر.
- هل هذه هي الحالة حقاً ؟
- وما هي أعراضها ؟
- هل أولادنا في طور التحوّل ؟
وصل ذات يوم إلى عيادة الدكتور لومبارد، المتخصص في علم نفس الأولاد، صبي صغير متفوق في المدرسة لكنه لا يهتم بشيء على الإطلاق. سأله الطبيب حوالى عشرين سؤالاً وجودياً. “لماذا أتينا إلى الأرض، ما هو مغزى الحياة ؟”. بدا الولد مضطرباً ولكنه شجعه :” اغلق عينيك، ادخل إلى عمق نفسك، خذ وقتك، أنت تعرف الجواب”. بعد بضع دقائق، أجاب الصبي وعيناه مغرورقتان بالدموع :”لكي نحب”. أكمل الطبيب :”متى تكون أكثر سعادة ؟”، “عندما ألعب كرة السلة”. وهذا يعني، حسب تحليل الطبيب، إثبات الحاجة إلى التواصل. وأكمل أسئلته :”إذا دعتك صديقة حميمة لأمك إلى بلدها لمدة شهرين، هل تقبل ؟”. أجاب الولد :”نعم، فوراً”.
هذا الولد لم يكن يهتم بشيء إطلاقاً ! اهتماماته أعلى، بكل بساطة، من كل ما يمنحه إياه محيطه اليومي. برأي الطبيب النفسي، إنه في حالة “تواصل مع نفسه” بشكل دائم. “عند هؤلاء الأولاد، طعم الاكتشاف اقوى من الحاجة إلى الأمان. إنهم في حالة بحث عن الانسجام، عن المعلومات، عن الوعي”.
عرض عليه الدكتور لومبارد أن يزور مركزه، وشرح له :”يستقبل المركز أولاداً في عمرك، بين 6 و12 سنة. بعضهم يطرح الكثير من الأسئلة، إنهم هناك كي يفكروا ويرتاحوا”.
وافق الولد بحماس. واستنتج الدكتور لومبارد باسماً :”يجب أن لا يدخل المستشفى كمريض ولكن كمعالج ! يكفي أحياناً أن نخلق رابطاً. عندما أشرح لهؤلاء الأولاد أننا ننتمي إلى وعي أعلى، يتوقفون عن الشعور بأنهم مجرد متطفلين في هذا العالم”.
إنهم أولاد متواصلون مع أنفسهم، مفرطو الحساسية، لديهم رؤية شمولية للمواقف، يجدون غالباً صعوبة في فهم العالم الذي وجدوا أنفسهم فيه، ويشعرون أنهم منفصلون عنه. يقول الدكتور لومبارد، الاختصاصي في علم نفس الأولاد :”أنا أرى هذا الجيل من الأولاد في كل مكان، وذلك منذ عشر سنوات. من بين 600 ولد عالجتهم في نهاية مهنتي، كان هناك 60 ولد على الأقل معنيين. بينما كانوا نادرين جداً منذ أربعين سنة”.
هؤلاء الأولاد متعطشون للانسجام، يمكنهم، مقابل الواقع الاجتماعي العنيف غير المتساهل، أن يصبحوا عدوانيين، وينغلقوا على أنفسهم أو يصابوا بالكآبة. إنهم ناضجون بشكل مدهش، ولكنهم يشعرون أيضاً بعدم أمان كبير. مهاراتهم العقلية عالية لدرجة مقلقة، وكذلك إحساسهم الحاد بالحقيقة، بالعدالة وبالانسجام. لديهم حدس عالٍ وقدرة على التلقي، إنهم يجدون أجوبة على أسئلة غير تقليدية ويحلّون المشاكل بسهولة، بدون اللجوء إلى المنطق. رأسهم في الغيوم ولكن لديهم نهم كبير للمعرفة، إنهم يضجرون غالباً في المدرسة، ويواجهون معلميهم بقدر ما يواجهون أهلهم. من هم هؤلاء الأولاد ؟ وكيف نشرح أنهم يصبحون أكثر عدداً شيئاً فشيئاً ؟
تقول عالمة النفس جان سيود- فاشين، المتخصصة في الأشخاص الموهوبين، إن “تركيبة دماغهم ووظيفته مختلفة. وقد تأكد أن روابطهم العصبية أكثر كثافة، سواء كان على مستوى قشرة الفص الجبهي، المنطقة الأكثر إنجازاً في الذكاء، أم على مستوى الفص الجداري، مركز إعادة توزيع المعلومات في الدماغ. ومن هنا، السرعة في التحليل، الفهم، الذاكرة ومعالجة المعلومات”.
هناك خاصية أخرى أساسية : قدرة التواصل العالية بين نصفي الدماغ التي تمنح مقاربة أكثر شمولاً، أكثر تصويراً، أكثر تعاطفاً وأكثر انسجاماً للأشياء، وهذا ما يجعل حواسهم أكثر حدة من أغلب الناس. إنهم يرون كل شيء، يسمعون كل شيء، يشعرون بكل شيء، ويلتقطون إشارات لا يلاحظها أي شخص آخر، وهذا ما يجعلهم أحياناً يمتلكون قدرات على الرؤية وكذلك فهماً فورياً للعالم وللناس.
تابعوا الجزء الثاني من هذه المقالة : كيف نتعامل مع الجيل القادم من أولادنا الموهوبين ( الجزء الثاني )