على الرغم من الوتيرة السريعة التي يتقدّم بها عصر التكنولوجيا الرقمية إلا أنه من المبكر جداً أن نتخلّص من الورقة والقلم. في الواقع، قد لا ترغب في أن تتخلى عن الكتابة نهائياً… إذا رغبت في أن تطوّر عقلك وتنمّيه أكثر. تعترف كاثلين رايت، وهي ناشرة “أنّ الحجة تبدو قديمة وبالية حين تقول إنك تفقد تواصلك مع الماضي. لكن ثمة ناحية علمية للمسألة أيضاً. فنحن لا نعرف ما سيحصل لاحقاً إذا لم نعلّم أولادنا كيف يكتبون على الورق أو كيف يكتبون بأحرف متّصلة.” مما لا شك فيه أن تعليم الأولاد مهارات الطباعة مفيد، إلا أنّ تقليص الوقت الذي يخصص للكتابة بأحرف متصلة وحتى للخط في المدارس قد يترك آثاراً سلبية على تطوّر الأولاد ونموهم. ويبدو أنّ للكتابة بأحرف متصلة بشكل خاص أثراً فريداً وايجابياً على نمو الدماغ، حتى أنّ للراشدين الكثير ليكسبوه من استخدام الورقة والقلم.
لكن ما الذي يجعل الكتابة تختلف عن الطباعة؟
إنّ الجواب بسيط: فالكتابة تتطلب قدرة عقلية أكبر إذ أنها تستخدم ثلاث عمليات دماغية كما أنها تمرّن الدماغ بشكل أكثر نشاطاً.
النظر: رؤية الكتابة.
الحركة: استخدام المهارات الحركية الدقيقة لتحريك القلم على الورق لكتابة الأحرف والمقاطع والكلمات والجمل.
الإدراك: الاستعانة بالذاكرة لإعادة رسم الأحرف وتشكيل كلمات جديدة.
قسّم أستاذ علم النفس في جامعة انديانا 12 شخصاً في سن الرابعة والخامسة إلى مجموعتين، وأخضع أدمغتهم للتصوير بالسكانر قبل وبعد تعليمهم التعرّف على الأحرف بالنظر أو بعد تعلّم كيفية كتابة الأحرف.
سجّل الأولاد الذين كتبوا بدلاً من أن يتذكروا الأحرف فقط حركة نشاط كبيرة جداً في الدماغ. وجاءت النتائج مماثلة في دراسة يابانية أجراها M. Naka من جامعة Chiba والذي تبين له أنّ أولاد الصف الأول والثالث والخامس في اليابان يتعلّمون الرموز التي تدل على الكلمات والأحرف الأجنبية عبر كتابتها أفضل مما يفعلون عبر النظر إليها فقط. واستنتج العاملون في مجال الصحة من هذه الدراسات أن عملية الكتابة كاملة تحسّن عمل الدماغ، والتأليف والتعبير وتعزز تناغم المهارات الحركية الدقيقة بشكل أكبر ويعود السبب في ذلك إلى المهارات الحركية النشيطة التي يتطلبها رسم الحرف (مقارنة مع النقر على لوحة مفاتيح الكمبيوتر).
عندما يتعلّق الأمر بالدماغ، يمكنك أن تستعمله أو أن تفقده. وتبيّن الدراسات كالدراسة التي أجريت في معهد أبحاث الفكر والدماغ في جامعة سيدني أنّ الأشخاص الذين يحافظون على نشاط فكري كبير طيلة حياتهم هم أقل عرضة للإصابة بالجنون والأمراض الأخرى ذات الصلة. فالدماغ على غرار الجسم يحتاج إلى التمرين بانتظام