يدهشنا دائماً المعالجين المقتنعين أن كل الأمراض لها “معنى” خفي.
“أوجاع الحنجرة واختفاء الصوت والشردقة هي إشارات إلى وجود صعوبة في التعبير عما نفكر فيه أو نشعر به، وغالباً لخوفنا من عواقب هذا التعبير”.
كذلك، إذا كان لديكم وجع في ركبتكم، فهذا يعني أنكم تجدون صعوبة في الانحناء، في قبول واقع معاش. إذا لويتم كاحلكم، فهذا لأنكم تفتقدون إلى المرونة والثبات في علاقاتكم مع الآخرين.
هذا النوع من “النظريات” قد يذهب بعيداً، وبعيداً جداً.
حتى أن بعض الأطباء ابتكر نظرية تقول إن كل أنواع السرطان سببها ضغط نفسي عنيف أو نزاع داخلي غير محلول.
نظريتهم دقيقة بشكل مدهش : سرطان الثدي مرتبط بتوتر عنيف في العلاقة بين الأم وابنتها، سرطان البنكرياس سببه غضب تجاه أفراد العائلة، وسرطان العظام مرتبط بالنقص في تقدير الذات، الخ.
هل فهمتم لماذا هذا الموضوع حساس جداً ؟ هذا النوع من النظريات قد يدفعكم للتخلي عن كل العلاجات الطبية (التقليدية والطبيعية) فلا تهتمون سوى بوضعكم النفسي – وهذه كارثة.
لهذا قبل أن نتوسع في الموضوع، يجب أن نوجه لكم إنذاراً واضحاً. حتى لو كان السبب الأساسي لأمراضنا قادم فعلياً من مشاكلنا الداخلية، فهذا لا يعني مطلقاً أننا نستطيع أن نشفيها فقط بواسطة قوة الفكر.
السبب بسيط : الأضرار الجسدية تكون فادحة أحياناً فلا نستطيع أن نشفيها بدون تدخل جراحي.
يعطي الطبيب الكبير تييري جانسن مثالاً معبراً جداّ في هذه القصة :
“أتذكر ناديا الممرضة التي اتصلت بي ذات يوم لتأخذ رأيي في حصاة بولية كانت تسدّ مجرى البول الأيسر.
قالت لي بحماس : لقد فهمت السبب النفسي لمرضي. لهذا سأنتظر حتى تذوب هذه الحصاة. أنت موافق معي، أليس كذلك دكتور ؟
أجبتها أن انسداد المحلب يعرّض كليتها للخطر. كان العائق مادياً؛ لهذا يبدو لي منطقياً أن نستخدم وسائل ميكانيكية للتخلص منه.
قالت غاضبة : أنت لا تفهم شيئاً من ألغاز الحياة. الطب الذي تعرضه عليّ تافه، عفا عليه الزمن.
بعد أسبوعين، علمت أن ناديا أصيبت بالتهاب بولي. لقد تضررت كليتها، وكان يجب نقلها إلى المستشفى”.
هذا ما يمكن أن يحدث إذا التزمتم حرفياً بالنظريات عن الأصول النفسية للأمراض.
لكن بعد أن أخبرناكم هذه القصة، يجب أن نذكر بالمقابل أن الإفراط العكسي قد يكون أيضاً كارثياً.
كل العلماء يعترفون اليوم أن الضغط النفسي يضعف جهاز المناعة، يسبب خللاً في توازن هورموناتكم، يسرع الشيخوخة…ويمكن أن يؤدي إلى مشاكل ثقيلة في الهضم.
يعترف الدكتور دافيد خياط، طبيب السرطان، بمسؤولية المشاعر السلبية في الإصابة بالسرطان :
“أعترف أنني كنت، خلال سنوات عديدة، معارضاً لفكرة أن الضغط النفسي، التعاسة، الحزن قد تكون السبب في الإصابة بالسرطان. لكنني اليوم غيّرت رأيي”.
لقد بدأ العلماء، حتى أولئك الأكثر مادية من بينهم، يعترفون أن الافكار السلبية قد تجعلنا مرضى.
برهن باحثون، مثلاً، أنه في اليوم التالي لفقدان شخص عزيز، يتضاعف احتمال إصابتكم بنوبة قلبية، 21 مرة.
في المقابل، نلاحظ أن المشاعر الإيجابية تقوي آليات الإصلاح في جسمنا.